عنب بلدي – العدد 94 – الأحد 8/12/2013
يُخصص لكل سجين في سجن عدرا المركزي يومًا خاصًا لزيارته من قبل أهله المقرّبين، ويُسمح لهم بإدخال ملابس بشروط معينة، ومبلغ من المال ضمن سقف محدد، وأنواع معدودة من الأدوية، وكذلك يمكن إدخال صور لأطفال لا تتجاوز أعمارهم التاسعة، ويُمنع إدخال أي نوع من الأطعمة أو المشروبات.
تختلف ردة فعل الأطفال أثناء زيارة آبائهم المعتقلين، واتجاه موضوع الزيارة ذاتها، إذ يعتصر بعضهم الألم –كما آبائهم- لضمة تشعرهم بوجودهم، سامي (ابن السادسة من عمره) يقول والدموع تملأ عينيه «بدي جيب سكينة كبيرة معي وأقطع كل الحديد.. بدي شوف بابا بدون شباك بيننا»، أما حلا فقد اعتقل والدها عندما كانت أمها حاملًا بها في شهرها الأول، وها هي الأم تأتي لتزور زوجها برفقة ابنتها التي لم يتجاوز عمرها الشهرين، يذهل الأب «مين هي الأمورة» وتبقى دموع الأبوين سيدة الموقف، تمحوها ابتسامة رسمت على شفاه حلا دونما أن تعي ما يدور حولها، وهناك خلف ذاك الشبك اللعين –كما يقول المعتقل خالد- ودموعه تخنق كل أنفاسه، إذ مضى على اعتقاله عامان، وها قد جاء ابنه ربيع لزيارته، علّه يعيد ربيع أيام فقدها والده بغيابه، ولكن المؤلم أن ربيع لم يعرف والده، ولم يقبل أن يلق السلام عليه، ويبكي غالبية الزائرين مع كل صرخة يطلقها ربيع، وهو يقول «ماما مين هاد.. ما بدي شوفه.. بدي أرجع ع البيت».
يحاول الآباء المعتقلون طمأنة أولادهم –من خلف الشباك- أن مشاعر الأبوّة لديهم لم تنقص رغم الفراق، وأن ألم السجن وقساوته لم ينسهم حبهم لفعل أشياء مميزة لأولادهم، فباتوا يلجؤون إلى كتابة الرسائل لأولادهم، ورسم رسومات مميزة لهم، وكذلك صنع هدايا من الخرز مكتوب عليها أسماء أولادهم بأشكال واستخدامات مختلفة، فها هي سميرة (ابنة الثامنة) فرحة جدًا بسوار صنعه والدها يحمل اسمها واسمه، وخالد (ابن العاشرة) كاد عقله يذهب فرحًا بحمالة مفاتيح من الخرز صنعها والده، ولكن المؤلم أنه تشكر والده عليها بحسرة قائلًا له «بابا.. ما عندنا بيت.. عم ننام بالحديقة… شو بدي أعمل بحمالة المفاتيح».
وفي زاوية أخرى تقف سلمى (ابنة التاسعة)، تخاف أن يراها أحد من أصدقائها في المدرسة، وقد جاءت لزيارة والدها، فهي تخاف من ردة فعل أصدقائها بالمدرسة عندما يعرفون أن والدها معتقل، وتتخيل كيف سينادونها بابنة الإرهابي، أما أمل فقد جاءت لتزور جدها وأبيها وأخيها وعمها كانت تضحك وتقول لوالدها «بابا.. شو رأيك نقول لهم يفوتونا لعندكم.. ونقعد كلنا بمهجع واحد.. وماما بترتاح من أجرة البيت… وما بقى نتعذب ع الطريق نحنوجايين ع عدرا».
ويبقى حال الأطفال صعب كما حال آبائهم، فهم لا يدركون فكرة التغييب وإقصاء آبائهم والتعذيب في الأفرع الأمنية، وما إن يتم تحويل آبائهم إلى سجن عدرا حتى يصبحوا أمام موقف آخر، إذ عليهم أن يتأقلموا مع فكرة رؤية آبائهم خلف قضبان وللحظات معدودة، ومع ذلك يبقى حال وائل يستدعي الاهتمام، إذ بات ناقمًا على والده لأن عمه تم تحويله إلى عدرا، واتصل بأولاده ليأتوا لزيارته، أما والده –الذي لم يحول إلى عدرا- فهو بنظر وائل لا يحبهم ولا يريد أن يراهم، لذلك لم يتصل بهم.
وأمام نفس القضبان الحديدية في عدرا صادفنا علي ورئيف وحنين، جاء كل منهم لزيارة والده، إذ تم اعتقال آبائهم في القضية المشهورة لسفينة طرطوس، بعد أن تم إيقافها في الميناء، واتهم مجموعة من ضباط في الجيش السوري يومها بالقصة، ويختال الأطفال الصغار بآبائهم الذين وقعوا ضحية عمل الإرهابيين والمسلحين، ويقسمون أمام القضبان بحياة الرئيس بشار حبيبهم وحبيب آبائهم، بأنهم سيأخذون بثأر آبائهم، ويجددون العهد لسيادته حتى بكل الظروف الصعبة للزيارة هذه.