تنتشر على الشبكة العنكبوتية العديد من الصور الكرتونية المعروفة بالـ “memes” والتي يقدم معظمها مضمونًا ساخرًا أو ناقدًا لظاهرة اجتماعيّة ما، إلا أنها غالبًا ما تحتوي على تصوير مسيء لفئة معينة، غير أن معظمنا لا يقف عند هذا التصوير المسيء كثيرًا وقد لا يلحظه أساسًا، وهو أمر ناتج بشكل أساسي عن الأفكار النمطية المتغلغلة في عقولنا، ويعكس أسلوب التفكير النمطي الذي يتبعه كثيرون منا دون وعي غالبًا.
هذه الأحكام المطلقة –والمسبقة- والتي يشيع ترديدها وإطلاقها على الآخرين دون محاكمة عقلية تستدعي قبولها أو رفضها، هي الأفكار النمطية التي تحد من رؤيتنا لمن حولنا، إذ تؤطر الآخرين ضمن قوالب جامدة، غالبًا ما تكون سلبية وخاطئة، أو غير دقيقة على أقل تقدير؛ وتنتشر هذه الأفكار في كافة المجتمعات الإنسانية كافة، إنما بدرجات متفاوتة وبأشكال متعددة.
في مجتمعنا مثلًا تنتشر طُرَفٌ عديدة تصوِّر الأنثى محصورة في نطاق الأعمال المنزليّة، وجاهلة بالتقنية؛ كما تشيع ظاهرة تجسيد «العدو»، أو «الطاغية» شبيهًا بالمرأة ضمن سياق ذمه وقدحه، وكلا الأمرين يحمل كثيرًا من الانتقاص للمرأة ويتنافى مع أسس المساواة، وهذه الظواهر ما هي إلا نتيجة الأفكار التي تشرّبناها منذ الصغر، من خلال الأسرة والمجتمع والإعلام وحتى السياسة ومن خلال الطُّرَف التي نتداولها ونكررها مسهمين في تعزيز هذا الفكر، دون أن ندرك ذلك أحيانًا.
ولا تقتصر الأفكار النمطية على التمييز بين الجنسين، بل تطال معظم الاختلافات التي نصنف على أساسها الأفراد والجماعات من حولنا بـ «الآخرين»: الانتماءات بألوانها الدينيّة والطائفيّة والسياسيّة والحزبيّة، والأصول العرقيّة،والمناطقيّة وغيرها.
ولهذه الموروثات الفكريّة تبعات عدّة، ومعظمها سلبيّ، إذ يلجأ بعضنا لتأطير ذواتهم لتتوافق مع قيود وسلاسل النمط المدرجين ضمنه بدل التفكير في ما هو صحيح وما هو خاطئ، وما هو نافع وما هو مسيء، وبدل السعي لما يريدونه هم .. الأفضل والأنسب لهم.
كما تحول هذه الأفكار النمطية دون الوصول إلى التوازن والاحترام بين «الإنسان» ومساويه «الإنسان» حول العالم، إذ يحمل كل منهما تصورات راسخة ومنفّرة عادةً عن «ندّه» رغم أن أحدهما لا يعرف عن الآخر سوى ما يقدم له في الإعلام -المسيّس غالبًا-، سواء من خلال الأفلام أو الاعلانات أو الخطاب، والذي يعزز هذه القوالب الجامدة التي تقدم عن الآخر صورة مشوهة أو منقوصة أو مبالغًا فيها، وهو ما يجعل من تقبله رحلة مضنية.
التنميط لا يقيد الآخرين ضمن قوالب صدئة فقط، وإنما يحد من نظرتك للحياة من حولك ويحرمك من التعرف على المميز في الآخرين، لذا اعتمد تفكيرًا إبداعيًا منفتحًا يحترم الآخر ويتقبله لا يقصيه؛ وفي نفس الوقت كوّن نفسك لتكون ذاتك فعلًا لا الصورة المنتظر أن تقدمها عن ذاتك، ولا تخش كسر المغلوط من المألوف والسائد. بادر إلى الحوار وسيلة للتعرف على الآخرين بدل تعزيز هذه الأفكار النمطية والتي جلها مسيء وغير صحيح لتشاهد أمامك العالم بعينين جديدتين، وبذلك سيتاح أمامك أفقٌ أوسع، مفعمٌ بألوان من الوجود والأفراد، بدلًا من الدوران في حلقة مقيدة من الأنماط.
اجعلها ثورة ترتقي بفكرك وعقلك لتكون ثورة كاملة…
ثورة إماطة الحجب عن العقول!