ريف إدلب – طارق أبو زياد
“آتي إلى الجبل يوميًا لشرب فنجان القهوة الصباحي، والتمتع بمنظر سفوحه الخضراء الذي يُريح العين“، يتحدث الرجل الستيني براء محسن، حاملًا بيده قهوته، مختصرًا بجملته صعوبة وصوله إلى قمة جبل الأربعين في ريف إدلب الجنوبي، بعد سيره مسافة طويلة من مدينة أريحا المجاورة.
يتردد محسن يوميًا على الجبل بعد صلاة العصر، كما يقول لعنب بلدي، “لأتمتع بأشعة الشمس الناعمة”، إلا أن تفاصيل الدمار التي يرصدها من قمة الجبل “تحزنني وتبكيني”.
مع دخول فصل الربيع من كل عام، يزور بعض أهالي المنطقة الجبل، فمنهم من يخرج مع عائلته ليقضي وقته في الطبيعة، ويصف الستيني مشاهد عايشها “سمعت أصوات ضحكاتٍ وهمسات، وشاهدت رجالًا وشبابًا يجلسون لوحدهم، تحمل تفاصيل وجوههم همومًا، ربما لا تستطيع الطبيعة تخفيفها”.
دمارٌ وملامحُ حياة
يرتفع جبل الأربعين 877 مترًا عن سطح البحر، ويتبع لسلسلة جبال الزاوية، شمال سوريا، وكان يُعتبر مصيفًا سياحيًا نشطًا قبل تدميره من قبل طائرات النظام السوري. |
يطل الجبل على مناطق واسعة من محافظة إدلب، ورغم الدمار الذي خلفه القصف، وباعتباره كان مسرحًا للاشتباكات بين قوات الأسد وفصائل المعارضة، حتى “تحرير” إدلب في 28 آذار 2015، إلا أن البعض من سكان المنطقة، مايزال يصفه بـ”مكان التنزه المتميز”.
يحمل الجبل في زواياه قصص موت وحياة، حرب وسلم، ورغم أن البعض يزوره حتى اليوم، إلا أن كثيرين يخشون الصعود إليه، كونه مستهدفًا من الطيران، إلا أن ملامح الحياة تتجلى في مشاهد مختلفة.
يستند الشاب عامر عبد الله، على صخرة كبيرة، أمام عربته الصغيرة ويبيع القهوة، للقلائل ممن يزورون الجبل، ويؤكد لعنب بلدي، أن “من يسلك طريق الجبل أو يأتي إلى هنا، لا يبقى أكثر من نصف ساعة، وترى كثيرين يسترقون النظرات خلسة، قبل أن يحين موعد هروبهم إلى مكان آمن”.
عرباتٌ أخرى لباعة جوّالين، تقف على قمة الجبل، ويبيع أصحابها “الفول النابت” والذرة الصفراء، مشهد يعكس جزءًا من الازدحام الذي شهده الجبل قبل سنوات، داخل عشرات المطاعم والمنتزهات على سفحه.
لا يمر أسبوع إلا وتسقط الصواريخ على سفح الجبل، وفق أهالي المنطقة، ويرى البعض أن قوات الأسد “تتقصد استهدافه لزيادة معاناة السوريين، ومنعهم من صعوده”، ويقول الشاب طلال الديري، إنه يزور الجبل “هربًا من الحرب وبحثًا عن الأمان والراحة لبعض الوقت”.
ويختلف تقييم الديري للتنزه في الجبل، إذ يعتبره “مكانًا لتعميق حالة الحرب في النفوس”، مردفًا “أينما نظرت تجد الدمار وآثار المعارك، كما أنك تنظر من مكان مستهدفٍ في أي لحظة، فعن أي تنزه نتحدث؟”.
خلال السنوات الست الأخيرة، بقي جبل الأربعين مقصدًا لقلة من أهالي ريف إدلب، وبينما يرى الستيني محسن، زيارته “دواء لكل شيء، ومكانًا يجلب السعادة ولو لفترة قصيرة”، يعتبره آخرون “يجمع تناقضًا بين الفرح والحزن، ومكانًا للموت والحياة في الوقت ذاته”.
يقع الجبل على بعد نحو 14 كيلومترًا جنوب مدينة إدلب، و2 كيلومتر شرق أريحا، ويشرف على سهول واسعة، وعلى مدينة معرة النعمان، كما وُصف في وقت سابق بـ”عروس مصايف الشمال”، إلا أنه اليوم مدمرٌ بشكل شبه كامل.