“إلى الذين على رؤوسهم المغمورة بمياه سد الفرات بنيت أمجاد وازدهرت حظوظ، إلى المغمورين، أهدي روايتي هذه”، يفتتح الأديب السوري وابن مدينة الرقة عبد السلام العجيلي روايته “المغمورون” الصادرة عام 1979، قاصدًا من فقدوا منازلهم جراء بناء سدّ الفرات.
ورغم أهمية السد الاقتصادية لسوريا، إلا أنّه بني على أحلام جيلٍ من فلاحي المنطقة، ظنوا أن بناءه سيحوّل أراضيهم إلى جنات، لكنه كان سببًا في تشريدهم، بعدما غمرت مياه البحيرة قراهم، وسط وعود من الحكومات السورية المتعاقبة بتعويضهم.
العجيلي أشار في روايته إلى “الغمر الاجتماعي” في تاريخ المنطقة، لكنه لم يتوقع أن يغمر السدّ جيلًا جديدًا من السكان، وهو ما يخشاه السوريون اليوم.
عنب بلدي – مراد عبد الجليل
“سد الفرات”، أو “سد الطبقة”، تصدّر حديث وسائل الإعلام، خلال الأيام الماضية، نتيجة احتراق غرفة العمليات فيه وخروجها عن الخدمة، بعد تعرّضها لقصف العمليات العسكرية التي يشنها “التحالف الدولي” و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) ضد تنظيم “الدولة الإسلامية”، بمعقله الرئيسي في سوريا، مدينة الرقة.
تحذيرات أطلقها مهندسون عملوا سابقًا في السد، من استمرار العمليات العسكرية في محيطه، والتي قد تؤدي إلى انهيارٍ كارثي، “لم يحدث قبل هذا التاريخ ولن يحدث بعده”، بحسب توصيف مدير السد السابق المهندس، عبد الجواد سكران، في حديثٍ إلى عنب بلدي.
المشروع قديم ونفّذ في عهد الأسد
تُدرج معلومات “سد الفرات” في مناهج التعليم في سوريا، باعتباره واحدًا من “أعظم” منجزات “الحركة التصحيحية” التي قادها الرئيس السابق، حافظ الأسد، عام 1970.
لكن الإنجاز كان بالتنفيذ فقط، أما الفكرة فتعود تاريخيًا إلى الحكومات المتعاقبة عام 1955، وتوقفت بسبب الوحدة بين سوريا ومصر في 1958، لتستكمل بعد الانفصال في ظل حكومتي بشير العظمة، الذي تولى رئاسة الحكومة السورية من 16 نيسان حتى 14 أيلول 1963، وخالد العظم من 17 أيلول حتى 9 آذار من العام نفسه.
مجلة “الأسبوع العربي” ذكرت، في عددها الصادر في 3 كانون الأول 1963، أن الحكومة السورية أرسلت وزير الأشغال العامة آنذاك، روبير الياس، للتفاوض مع الحكومة الفرنسية بعد مماطلة الحكومة الألمانية من أجل تمويل “سد الفرات”.
وقال الوزير آنذاك إن “الحكومة الفرنسية أكدت تصميم ألمانيا الغربية على إنشاء سد الفرات بالمساهمة معها، وإن المساهمة الفرنسية ستتراوح بين 30% إلى 40%، أي ما يقدّر بأكثر من 200 مليون دولار أمريكي”.
لكن وصول “حزب البعث” إلى السلطة، عبر انقلاب الثامن من آذار عام 1963، أوقف العمل بالاتفاقيات، بحسب ما نشر موقع “سيريا نيوز” في 25 أيلول 2013، ليعود الحديث عن تنفيذ المشروع في 1968، لكن باتفاقية مع الاتحاد السوفييتي، الذي استفاد مهندسوه من الدراسات الفرنسية والألمانية.
وبدأت أعمال التنفيذ في 1968 قبل وصول حافظ الأسد إلى السلطة في 1970، وإعطائه أوامر بمتابعة بناء المشروع، عبر إحداث وزارة “سد الفرات” وتطوير واستصلاح أراضي حوض الفرات.
الخبراء الروس مسؤولون عن المشروع
بدأ تشييد السد عام 1970 بواسطة خبراء من الاتحاد السوفييتي، كانوا مسؤولين بالدرجة الأولى عن المشروع وفعاليته، بحسب المهندس الروسي، غينادي نيفيديوف، الذي ترأس الدفعة الأولى من الخبراء السوفييت، وكان مشرفًا على قطاع مشروع المحطة الكهرومائية، وعمل في الفترة من عام 1970 حتى 1973.
وقال نيفيديوف، في مقابلة مع قناة “روسيا اليوم” في 2008، إن الاتحاد السوفييتي أوفد مهندسين وخبراء من كافة الاختصاصات من البناة وعمال التركيب. وبلغ العدد الإجمالي للاختصاصيين السوفييت في سوريا مع عوائلهم 12 ألف شخص، في حين شارك ببناء السد حوالي 1500 عامل ومهندس سوري، بحسب أرقام رسمية.
وأضاف المهندس الروسي أن “المرحلة الأولى بدأت بالحفر والتجريف داخل حفرة أساس المحطة الكهرومائية، إضافة إلى تلحيم هياكل التسليح الفولاذية قبل صب الخرسانة، وبعد ربط الهياكل الفولاذية ببعضها، بدأ بناء المحطة إلى أن تم ركم السد وإغلاق المجرى نهائيًا في 1973”.
وفي 5 تموز 1973 حُوّل مجرى نهر الفرات ليمر عبر بوابات المحطة الكهرومائية، بحضور حافظ الأسد الذي عبر نهر الفرات فوق جسم السد.
ثاني أضخم السدود العربية
جسم السد بني من الإسمنت والحديد الصلب، وصمّم لمقاومة الهزات الأرضية، وانتهى بناؤه في 18 آذار 1978، ليصبح واحدًا من أكبر السدود في المنطقة العربية، بعد “السد العالي” الذي أنشأته مصر على ضفاف نهر النيل في 1968.
ويبلغ طول سد الفرات 4500 متر، بحسب أرقام رسمية، في حين يبلغ عرضه من القاعدة 512 مترًا ومن القمة 19 مترًا وارتفاعه 60 مترًا، ويرتفع عن سطح البحر 308 أمتار، ويتسع جسم السد لـ 41 مليون متر مكعب من المياه، ويحتوي على ثماني بوابات تصريف مياه مزودة بعنفات توليد الطاقة الكهربائية.
ويحجز “سد الفرات” خلفه بحيرة أطلق عليها النظام السوري “بحيرة الأسد”، لكن بعد انطلاق الثورة السورية أطلق عليها ناشطون بحيرة “الفرات”.
ويبلغ طول البحيرة 80 كيلومترًا، وعرضها ثمانية كيلومترات، في حين يبلغ محيطها 200 كيلومتر ومساحتها 640 كيلومترًا، أما سعتها التخزينية فهي 14.1 مليار متر مكعب من المياه، ويصل منسوب التخزين الأعظمي (ارتفاع المياه في البحيرة) إلى 304 أمتار، وهذا المنسوب “خطر”، بحسب مدير السد السابق، عبد الجواد سكران، الذي أوضح لعنب بلدي أنه إذا وصلت المياه إلى هذا المنسوب، ولم تصرّف بشكل نظامي عبر البوابات، تبدأ المياه بالتدفق فوق جسم السد، ما ينذر باقتراب التصدع.
وتلحق بالسد محطة تحويل كهرومائية، وتعتبر أول محطة من نوعها في سوريا، وتتفرع منها خطوط التوتر العالي نحو مناطق عدة في سوريا.
وتتألف المحطة من ثماني مجموعات توليد مائية، تبلغ استطاعة المجموعة الواحدة منها نحو 110 ميغاواط، أي أن استطاعة المحطة الإجمالية يبلغ 880 ميغا واط ساعي.
وبحسب أرقام رسمية، بلغت كمية الطاقة الكهربائية المنتجة من المحطة، منذ بداية استثمارها ولغاية شهر كانون الأول 2010، نحو 67 مليارًا و858 مليون كيلوواط ساعي تقريبًا.
كمية الكهرباء المنتجة بالسعر العالمي تعادل 120 مرة من كلفة بناء جسم السد والمحطة الكهرومائية، التي بلغت 150 مليون ليرة سورية، والتي شملت مواد البناء وكافة المعدات والخدمات وأجور المهندسين.
وللسد أهمية اقتصادية كبيرة، إذ أسهم في ري مساحات واسعة من الأراضي، تبلغ مساحتها أكثر من 640 ألف هكتار، إضافة إلى توليد طاقة كهربائية تصل إلى ملياري كيلو واط ساعي سنويًا، كما يعتبر السد جسرًا بريًا يصل بين ضفتي نهر الفرات الشمالية والجنوبية في المنطقة.
أبرز السدود على طول نهر الفرات
يبلغ طول نهر الفرات من منبعه في جبال طوروس في تركيا، حتى مصبه في شط العرب في العراق حوالي 2940 كيلومترًا، منها 1176 كيلومترًا في تركيا، و610 كيلومترات في سوريا، و1160 كيلومترًا في العراق.
وأقيم عدد من السدود على طول نهر الفرات في البلدان الثلاثة تصل إلى أكثر من 20 سدًا، وأبرزها ثلاثة في سوريا هي الفرات وتشرين والبعث، وسد أتاتورك في تركيا، وسد حديثة في العراق.
سد الفرات
يقع في مدينة الطبقة بالرقة شمال سوريا، ويعتبر من أكبر السدود في الوطن العربي، وأنشئ بين عام 1968 و1978 بإشراف مهندسين من الاتحاد السوفيتي، وتكمن أهميته بتوليد الطاقة الكهربائية وري مساحات مزروعة في منطقة الجزيرة السورية تصل إلى 640 ألف هكتار.
ويبلغ طول البحيرة 80 كيلومترًا، وعرضها ثمانية كيلومترات، في حين يبلغ محيطها 200 كيلومتر ومساحتها 640 كيلومترًا، أما سعتها التخزينية فتبلغ 14.1 مليار متر مكعب.
سد البعث
يقع بين مدينتي الثورة والرقة إلى الشرق من سد الفرات، وتم الانتهاء من كافة الأعمال في السد ومحطته الكهرومائية في كانون الأول 1988.
سد تشرين
أنشئ سد تشرين على نهر الفرات ضمن المنطقة التي تتبع إداريًا لمدينة منبج في ريف حلب الشرقي، أواخر عهد الرئيس حافظ الأسد، ودخل فعليًا في الخدمة بتاريخ 1999، بتكلفة قدرت بنحو 22 مليار ليرة سورية، وتصل مساحة بحيرته إلى 166 كيلومترًا مربعًا.
سد أتاتورك
يقع السد على نهر الفرات على بعد 24 كيلومترًا من مدينة أورفة التركية، ودُشّن هذا السد في تموز 1992 بحضور رؤساء وممثلي 29 دولة، إضافة إلى نحو 100 دبلوماسي.
وتبلغ مساحة بحيرته 817 كيلومترًا وتبلغ كمية المياه المجمعة في السد قرابة 48 مليار متر مكعب.
سد حديثة الكبير
يعتبر من أكبر السدود في العراق على نهر الفرات، ويقع على بعد 7 كيلومترات من بلدة حديثة في محافظة الأنبار، وبني السد بالتعاون مع جمهورية يوغسلافيا بين عامي 1978 حتى 1986.
السد تحت قبضة تنظيم “الدولة“
بعد اندلاع الثورة السورية في 2011، تمكنت فصائل المعارضة السورية من السيطرة على سد الفرات في شباط 2013.
لكن تنظيم “الدولة الإسلامية” تمكن من السيطرة على السد عقب سيطرته على كامل مدينة الرقة في نهاية 2013، بعد معارك مع فصائل المعارضة، ليتخذها عاصمة لخلافته الإسلامية.
ومع بداية العام الجاري أطلقت “قوات سوريا الديمقراطية”، المدعومة من قوات التحالف الدولي بقيادة أمريكا، معركة بعنوان “غضب الفرات” بهدف طرد تنظيم “الدولة” من الرقة.
وتعرّض السد لغارات جوية وقصف متكرر، خلال الأسابيع الأخيرة، ما أدى إلى خروج المحطة الكهرومائية عن العمل نتيجة احتراق غرفة التحكم، الأمر الذي دفع مهندسين إلى دقّ نواقيس الخطر، نتيجة فقدان التحكم ببوابات المفيض الثمانية الموجودة على جسم السد.
ونشرت وكالة “أعماق” التابعة لتنظيم “الدولة الإسلامية”، الأحد 26 آذار، تسجيلًا يظهر احتراق غرفة التحكم وتحطّم أغلب التجهيزات الموجودة.
وأوضحت “أعماق” أن “ديوان الخدمات” غير قادر على إرسال ورشات الصيانة إلى سد الفرات (الطبقة)، نتيجة القصف الأمريكي المكثف على المنطقة.
وظهر في التسجيل المهندس أحمد الحسين، مسيّر أعمال السد، وتحدث عن القصف الذي يتعرض له سد الفرات من قبل الطائرات، وتحطّم أغلب التجهيزات الموجودة في داخله.
وأوضح أن “التغذية الكاملة فقدت عن محطة السد، وبدأت المياه بغمر كافة التجهيزات”، لافتًا إلى أن “السد خرج عن الخدمة بشكل كامل”.
لاحقًا، أعلن التنظيم مقتل الحسين إلى جانب مساعده الفني حسين الخلف، بقصف جوي استهدفهم أثناء محاولتهم الدخول إلى السد للقيام بأغراض الصيانة، الاثنين 27 آذار، تزامنًا مع هدنة أعلنتها قوات “سوريا الديمقراطية”.
احتراق غرفة التحكم ينذر بالخطر
المهندس عبد الجواد سكران، أوضح لعنب بلدي، الأضرار والمخاوف من خروج المحطة الكهرومائية عن العمل نتيجة احتراق غرفة التحكم.
وقال إن “خروج المحطة عن العمل يعني فقدان ما يسمى بالتغذية المحلية، وتزويد كافة المعدات العاملة بالمحطة بالكهرباء اللازمة من أجل عملها، وأهمها مضخات الصرف التي تقوم بتصريف المياه المتسربة إلى المحطة، وإلقائها إلى النهر للحفاظ على عدم غرقها”.
وأضاف أن توقف المضخات عن العمل، مع استمرار تسرب المياه وتجمعها داخل المحطة، سيؤدي إلى غرق المحطة وغرق كامل التجهيزات والعنفات، مشيرًا إلى أن منسوب المياه بدأ بالارتفاع بشكل بطيء، ما سيؤدي إلى خسارة كبيرة جدًا.
وإلى جانب غرق المحطة يكمن الخطر في توقف عمل الرافعة الإطارية الموجودة فوق جسم السد على الضفة الجنوبية، والمسؤولة عن التحكم ببوابات المفيض الثمانية، نتيجة عدم تغذيتها بالكهرباء التي كانت تصلها من التغذية المحلية المولّدة من المحطة.
1.5 متر مسافة أمان حتى اليوم
توقف الرافعة يؤدي إلى إلغاء إمكانية فتح بوابات المفيض، فهي تحافظ على منسوب المياه عند الحد الآمن عن طريق رفعها لتصريف المياه إلى مجرى النهر، في حال ورود كميات كبيرة من المياه تفوق قدرة مجموعات التوليد على استيعابها.
سكران أكد أن منسوب المياه ثابت في البحيرة منذ أسبوع عند 302.5 متر، ما يعني أنه يوجد 1.5 متر وهي مسافة أمان فارغة من الماء، “تجعلنا مطمئنين لحد الآن”، لكن منسوب الماء قد يرتفع إلى المنسوب “الخطر” في حال مرّرت تركيا، التي ينبع نهر الفرات من أراضيها، المياه إلى سد تشرين الموجود في منبج.
“يبدأ الماء بالانقلاب فوق جسم السد عندما يصل المنسوب إلى 304 أمتار، إذا لم تفتح البوابات وتصرّف المياه، ما يؤدي إلى إحداث كهوف خلف البحيرة في جسم السد وإضعاف بنيته، وبالتالي انهيار الكتل الإسمنتية العازلة، وازدياد الكهوف إلى أن نصل إلى حادثة الانهيار”.
أربعة إجراءات لمنع الانهيار
ولمنع حدوث الكارثة يجب اتخاذ إجراءات عاجلة، بحسب سكران، وأولها إيقاف الأعمال القتالية من كافة الجهات المتصارعة عند منطقة السد التي هي 4.5 كيلومتر، ومحطة سد الفرات، إضافة إلى إيقاف القصف واستهداف المنطقة.
أما الإجراء الثاني فيتمثل بالسماح، وبشكل آمن، لكافة العناصر الفنية والمهندسين الموجودين في منطقة السد أو القرى المجاورة، الوصول إلى المحطة، وتقديم دراسة كاملة لتقييم وضع المحطة، ومستلزمات إعادتها إلى العمل.
الإجراء الثالث هو معرفة حجم الأخطار في الرافعة الإطارية، وإمكانية إصلاحها وتأمين التغذية الكهربائية لها لرفع بوابات المفيض، عن طريق مولدة ديزل باستطاعة 500 كيلو فولط أمبير، إضافة إلى تأمين مجموعة مناوبة من المختصين على مدى 24 ساعة، للتصدي لأي طارئ يمكن أن يحدث.
الإجراء الأخير يكمن في التواصل مع الحكومة التركية، ومعرفة مدى إمكانية منع تدفق وتمرير المياه من خلالها إلى سد الفرات، وما هي المدة الزمنية التي يمكنها إيقاف تمرير المياه إلى سوريا، باعتبار أن أشهر نيسان وأيار وحزيران تسمى “أشهر الفيضان”، نتيجة ذوبان الثلوج في تركيا، ما يدفعها إلى تفريغ قسم من سدودها وضخ المياه باتجاه سوريا بكميات كبيرة، وقد وصلت في إحدى السنوات إلى ستة آلاف متر مكعب في الثانية، رغم أن حصة سوريا الأساسية 700 متر في الثانية.
وكان رئيس الحكومة المؤقتة، جواد أبو حطب، أعلن في مؤتمر صحفي مع عددٍ من المهندسين العاملين سابقًا في السد، الأربعاء 29 آذار، أنه التقى مسؤولين في وزارة الخارجية الأمريكية ومسؤولين أتراك، في إطار المساعي لإنقاذ سد الفرات من الانهيار.
مدير السد يتخوف من “تسونامي” جديد
انهيار السد سيكون كارثة تاريخية تفوق كارثة هيروشيما وناغازاكي النووية في اليابان في 1945، والتي راح ضحيتها 220 ألف شخص، يقول المهندس عبد الجواد سكران، كما يفوق كارثة فيضان تسونامي في اندونيسيا في 2004، والتي خلفت 300 ألف قتيل.
إبراهيم العدهان، وهو مهندس سابق في السد، قال في مؤتمر الحكومة الصحفي، إنه في حال انهار السد ستصل موجة من المياه إلى الرقة بارتفاع 12 مترًا مع طاقة كامنة كبيرة، وستصل إلى دير الزور بارتفاع خمسة أمتار، ثم تتجه عبر مجرى النهر إلى ريف دير الزور الجنوبي حتى البوكمال.
وأشار إلى أن مليوني شخص يقطنون وادي الفرات مهددون، إضافةً إلى خسائر كارثية على البنية التحتية من سدود صغيرة ومحطات ري ومياه شرب على مجرى السد، فضلًا عن الخسائر في الثروتين النباتية والحيوانية.
وللسوريين تجربة في كوارث انهيار السدود، عندما انهار “سد زيزون” في سهل الغاب شمال غرب حماة في حزيران 2002، وراح ضحيته، بحسب أرقام رسمية، أكثر من 20 شخصًا إضافة إلى تدمير جميع منازل قرية زيزون البالغ عددهم 140 منزلًا، كما غمرت المياه أربع قرى محيطة بالمنطقة هي، بشيت وقاستون وزيارة وقرقور.
سكران أوضح أنه في حال انهيار “سد الفرات” ستكون كارثته أكبر من كارثة “سد زيزون” بـ 200 مرة، كما أن الأخطار لن تقتصر على من هم خلف السد، الذين سيتأثرون بشكل مباشر، وإنما المنطقة كاملة من حدود تركيا وحتى الخليج العربي، على درجات متفاوتة، من انقطاع مياه الشرب ومياه الري وجفاف المزارع.
ورافق التحذير من خطر انهيار السد وعودة المعارك إلى المنطقة حركة نزوح واسعة لأهالي المنطقة باتجاه الأرياف القريبة، وفق تسجيلات وصورٍ لنازحين وثقها ناشطون سوريّون، عائدين بالذاكرة إلى الفلاحين الذين هجّروا من أراضيهم، في سنوات بناء السد.
ينقل العجيلي في “المغمورون” عن فلاحين كانوا يتحدثون عن قرار تهجيرهم الظالم “من نكون نحن في هذه الماكينة الكبيرة التي يسمونها الدولة؟ نحن حدائد صغيرة، براغي أو أسلاك أو مسامير دقيقة وغليظة… قطع من المعدن لا بد للماكينة منها، وفي نفس الوقت لا قيمة لها ولا نفع إلا في مكانها من الآلة”.
لكنّ الرواية تؤكّد “جذورنا ضاربة في ھذه الأرض مثل جذور الأشجار العتیقة، ھل سمعت بشجرة تلمّ جذورھا وتضعھا على أكتافھا وتمشي لكلمات تسمعھا؟”.