عنب بلدي – العدد 93 – الأحد 1/12/2013
رغم الفرق الشاسع بين مصطلح «المنطقة المحررة» و «السوق الحرة» إلا أنه صار من الممكن -برأيي- إضافة أحدهما كمرادف للآخر في القواميس الحديثة!
المعروف عن الأسواق الحرة غلاء أسعار بضائعها وتذبذب هذه الأسعار وعلاقتها المباشرة بأسواق صرف العملة، وبهذه النقطة تحديدًا يتلاشى الفرق العمليّ حد التماهي بين الأسواق الحرة والمناطق المحررة.. عدا عن أنه في تلك الأخيرة يموت الناس جوعًا.
الإلقاء باللوم على نظام الأسد أمر واقعيّ وصحيح، لكنّ الاكتفاء به وتحميل النظام كامل المسؤولية عمّا يجري في المناطق المحرّرة، هو ضربٌ من المغالاة وعدم المنطقية. فالحصار من شأنه أن يمنع مرور المواد الغذائية والدوائية كافّة، والمتوقّع منطقيًا في هذه الحالة أن تخلو الأسواق من البضائع «تدريجيًّا»، وفي حال توافر سلعة ما ولو بعدد قليل جدًا، أن تتوافر بسعرها الاعتياديّ ﻷنها موجودة أصلًا.
لكنّ خلوّ الأسواق في المناطق المحاصرة ما بين ليلة إغلاق المعابر الأسدية وضحاها.. بالإضافة لتفرّد بعض التجار بعرض كميات قليلة جدًا من البضائع وبأسعار خياليّة، كل ذلك يوجّه أصابع الاتهام لهم شخصيًّا.
كيلو السكر 1000 ليرة سورية، كيلو البرغل 1200 ليرة، كيلو الطحين 1800 ليرة، كيلو البطاطا 4000 ليرة، كيلو البصل 4000 ليرة، ليتر البنزين 4000، جرة الغاز 35 ألف ليرة سورية فقط!
ليست مزحة، هذه قائمة «بمتوسط» أسعار أهم السلع في الغوطة المحاصرة، والتي ستكون من المحظوظين لو عثرت على بائع يبيعها فتشتريها بأي سعر يريده.
وحقيقة فإنّ استمرار طرح «كبار التجار» للبضائع بعد إغلاق المنافذ إلى الغوطة وبهذه الأسعار الخيالية يشير ﻷحد احتمالين أو كليهما:
الأول: احتكار التجار أنفسهم للبضائع فور إغلاق الحواجز، وهو أمر اتضح تمامًا بـ «اختفاء» كافّة البضائع -سواء تلك التي تنتجها الغوطة أم ما «تستورده» من خارجها- بغمضة عين وبشكل يفوق معدلات الطلب والعرض في أي سوق عالميّ.
الثاني: وجود علاقة ما بين التجار والنظام تتيح لهم إدخال البضائع حتى اللحظة، ليستغلّوا حاجة البشر وعدم توافر السلع بفرض السعر الذي يريدون، وهو أمر مثبت بتعاون متبادل «تحت ستر الليل غالبًا» بين التجار وحواجز النظام يدفع مقابله التجار مبالغ مادية.. أو أثمان غير ماديّة وغير أخلاقية البتّة -تدفع ضريبة عارها أشدّ العائلات عوزًا عادة- ولا يتورع «التاجر» عنها في سبيل المزيد من الربح.
أيا كان الاحتمال الصحيح فإن ما يجري من احتكار جشع لا يمكن أن ينسب لـِ «شطارة التجارة».. وهو في أيام الحروب والأزمات أكثر قذارة من أي وقت آخر..
ابتزاز حاجة الناس وجوعهم بل وبيعهم سلعًا أرسلت كمعونات مجانية لهم من جهات إغاثية يشعرك بغابةٍ يتقايض فيها الناس رغيفًا بدم، بل ربما يذكرك بشايلوك -المرابي اليهوديّ- في مسرحية تاجر البندقية، وما أكثر اليوم تجار البنادق!
هذا هو الواقع للأسف..
شعب أعزل خرج لكرامته وحريته وعدالة مجتمعه، وتراه اليوم يدافع عن نفسه أمام نوعين من مصاصي الدماء: بشار.. والتجار، وليسا إلا وجهين لعملة قذرة واحدة.
فمتى ستحاسب الثورة سارقيها والمستفيدين من إطالة عمر الحرب والحصار لتتورم جيوبهم وأجسادهم بأكبر قدر ممكن من الدولارات، قبل هجرتهم إلى إحدى الدول الأوروبية؟