أسامة شماشان – الحراك السّلمي السّوري
السـجن
{ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّىٰ حِينٍ} (سورة يوسف، 35) لماذا يدخل السجن نبي كريم كيوسف عليه السلام؟! ما الحكمة من ذلك؟ لماذا يحاصر نبي ثلاث سنوات في شعاب مكة؟ ليذوق ويلات الجوع والألم؟ لماذا يؤخذ نبي من حضن أمه وهو رضيع ليربى في قصر فرعون وهو موسى عليه السلام؟ حقيقة في السجن بناء للنفس لا يماثله بناء، في السجن مراجعة للذات ووقفة صادقة معها تتجرد من أي غطاء كالمال والمنصب والشهادة العلمية التي يمكن أن يغلف الإنسان بها نفسه وقد يخدع الناس. في السجن يدرك الإنسان قيمة النعم التي كان يبذخها هنا وهناك، قيمة الوقت، قيمة الأكل، قيمة الصحة، قيمة المال..
هذا الكلام ليس تبريراً لحالة السجن، بقدر ما هو دعوة صادقة إلى إدراك ووعي أننا نعيش حياة زائفة بكل ما تعني الكلمة. دعوة للإسراع والعودة إلى الذات ومراجعة سلوكياتنا بصدق وأمانة ولنتذكر دعاء النبي الكريم «اللهم عرفنا نعمك بدوامها ولا تعرفنا إياها بزوالها».
التقوى والقول السديد
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} (سورة الأحزاب، 70-71) تضمّ هذه الآية تسلسلاً منطقيًا رائعًا: تقوى الله، فالقول السديد فصلاح العمل، إنه علم منطق ورياضيات، وكأن الله تعالى يقول لنا أن التقوى +القول السديد =صلاح العمل ونجاحه. وفي المقابل إذا لم نتق الله فإننا لن نمتلك خطابًا وقولًا سديدًا، والنتيجة بالضرورة هي فساد في العمل أي عدم إثماره ونجاحه. وفي الصحيح قول النبي عليه الصلاة والسلام في رواية الترمذي: «نضّر الله امرءًا سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها» قال كما سمعها ولم يقل كما فهمها، ثم ختم الحديث «فربّ مبلغٍ أوعى من سامع» وهنا السؤال: ألا ينطبق هذا على واقعنا؟ نقاتل بعضنا البعض ونبرر بقول غير سديد والنتيجة بالضرورة هي استمرار الأزمة.