بين الرغبة بالاندماج والخوف من ضياع الهوية
ما اللغة التي يجب على أطفال اللاجئين السوريين تعلمها؟
عنب بلدي – حنين النقري
يتوزع السوريّون اليوم على ما لا يقل عن 46 دولة في شتى أنحاء الأرض حسب العديد من الإحصائيات، ومن بينها إحصائيات المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
وإذا استثنينا من هذا العدد البلاد الناطقة باللغة العربية، فهذا يعني أن عشرات اللغات تقف أمام اندماج السوريين بالمجتمعات الجديدة وتواصلهم مع سكانها الأصليين، وأن سعيهم في بناء حياة كريمة يحتّم عليهم تعلم هذه اللغات، مهما كانت صعوبة اللغة، وأيًا كان عمر اللاجئ ومستواه التعليميّ.
تزداد الحاجة إلحاحًا بالنسبة للأطفال، أمام مستقبل طويل مجهول تمامًا، ورغبة الأهل في اندماجهم وتعلّمهم وعدم ضياع حيواتهم قيد الانتظار.
وهنا يبرز التحدّي الأكبر، بين إصرار الأهل على التمسك بالجذور واللغة الأم، والواقع الذي يفرض الاندماج والنطق الدائم بلغة الآخر لإتقانها، فإلى أيّ مدى يمكن تحقيق التوازن في هذه المعادلة؟
تحمل السيدة سِما رضيعها الصغير (نور)، تهدهده وتغني له “يلا تنام”، ثم تنتبه للغتها العربية، “هل أغني له بالعربية أم الألمانية؟ أنا حائرة في هذا تمامًا، وهذا الموقف يتكرر يوميًا في مختلف نشاطاتي المنزلية”، تقول سِما لعنب بلدي.
وطن صغير
سِما سيدة سورية مقيمة في ألمانيا منذ عام ونصف، أبصر طفلها الوحيد، النور في ألمانيا منذ ثلاثة أشهر، ورغم أن هذا الفرد الجديد في العائلة أدخل حياة جديدة في قلبي الزوجين محمد وسما، إلا أنه أتى بتحديات جديدة لهما أيضًا. يقول محمد “جاءنا نور هدية ثمينة في هذه الظروف، هو وطن صغير لنا في الغربة، لكن لترتبيته في بلد غريب عنا وثقافة مختلفة تمامًا تحديات كبيرة لم نتخيلها، لا يمضي يوم لا نفكّر فيه بهذا الأمر، نتناقش مطوّلًا حوله، وكل نقاش يفضي لنتيجة مختلفة وهو ما يوضح حيرتنا الشديدة”.
معلومات متضاربة
حاول الأبوان البحث في محيطهما وعبر الإنترنت، وقرأا العديد من الدراسات، لكن ذلك لم يزدهما إلا تشتتًا، حسب تعبير السيدة سما، تفسّر ذلك “الدراسات حول ذلك متضاربة في الحقيقة، ولا يمكن تعميمها فهي تتبع حالة الطفل واهتمام الأهل، والمحيط الذي يعيش فيه، إذ يقول البعض بضرورة التركيز على اللغة العربية في السنوات الثلاث الأولى من عمر الطفل، وعدم تشتيته بأيّ لغة أخرى حتى يتمكن من لغته الأم في البداية، البعض الآخر يقول إن القدرات اللغوية لدى الأطفال في السنة الأولى من عمرهم كبيرة جدًا، وكافية لتعلم أكثر من لغة بنفس الوقت بسهولة بالغة دون أن تتداخل المعلومات لديهم، إضافة إلى أهمية التعلم منذ السنوات الأولى لاكتساب اللفظ الصحيح، ونحن بين هذا الرأي وذاك حائرون”.
نظام تعليمي معقّد
يشير السيد محمد إلى أن حرصهما على إتقان نور للغة الألمانية يتعدى حدود الرغبة بالاندماج، فهو حرص على مستقبله “حرفيًا”، ويضيف “النظام التعليمي هنا معقّد، فهناك ثلاثة مستويات للمدارس، الأولى للمتفوقين، والثانية للمستوى المتوسط، والثالثة لمن يعانون صعوبات في التعلم وذوي الاحتياجات الخاصة، وهو مستوى بمناهج مخففة ودوام مخفف، لكن لا يحق للطالب المتخرج منه الالتحاق بالجامعات فيما بعد”.
يتابع محمد أن الأطفال ممن تجاوزوا سنّ الخامسة ولم يتعلموا الألمانية نادرًا ما يستطيعون التأهل لدخول المدارس العادية، ويضيف “رغم أن الطفل يكون ذكيًا ولا يعاني من أيّ إعاقة، إلا أن عدم فهمه التام للأساتذة والمواد يصنّف كصعوبات تعلّم، وهو ما يجعل التحاقه بمدارس المستوى الأول والثاني غير ممكن عمليًا، فيضطر الأهل لخيار مدارس ذوي الاحتياجات الخاصة، وهكذا يتم تقييد إمكانيات الطفل وتحديد مستقبله منذ السابعة بعدم إكمال الجامعة مهما كانت درجة ذكائه”.
دمج مبكّر
بالنسبة لبيان، مهندسة سورية مقيمة في الدنمارك، فقد حسمت أمرها وأدخلت ابنتها في حضانة للأطفال منذ عمر السنة والنصف، تقول “قررت أن أدمجها مع أقرانها منذ عمر صغير، التعلم أثناء اللعب ومع أطفال في نفس عمرها سيجعلها تتقن اللغة كلغة أم، أما لغتها العربية فهي منوطة بي أنا ووالدها وهو ما نحن حريصان عليه بشكل تام، تخيّلي رغم أن عمرها سنة ونصف إلا أنها عانت في البداية من الفهم على أقرانها أثناء اللعب، صحيح أن المفردات قليلة لدى الأطفال في هذا العمر إلا أنها تنطق مفردات مختلفة عن أصدقائها وهو ما يقلل من تواصلها معهم حسب ملاحظات المشرفات في الحضانة”.
تدلل بيان بتجربة ابنتها على ضرورة دمج الأطفال مبكرًا، وتضيف “أعتقد أن الصعوبات تزيد على الطفل كلما زاد عمره، السكوت الذي تقابل به ابنتي أحاديث أصدقائها سيكون أصعب لو كانت في الرابعة من عمرها، وستشعر أنها مختلفة عنهم ومنبوذة من قبلهم، وهي تجربة لا أرغب أن تعيشها أبدًا”.
هوية ثقافية كاملة
يرى السيد طارق، مهندس سوريّ مقيم في تركيا، أن الموضوع معقد، فحتى تتعلم لغة جديدة يجب أن تمارسها في كافة نشاطات حياتك، وهو ما سيحرم أبناءك منها منزليًا، يشرح وجهة نظره “ينصحنا الأساتذة في الدورات بأن نتكلم مع بعضنا باللغة التركية بشكل دائم في المنزل لنقوي مستوانا، إذا كان الأمر كذلك فمتى سيسمع الطفل اللغة العربية في ظل وجوده في مجتمع تركي، وغياب القنوات التلفزيونية العربية والمجلات والكتب والمناهج العربية؟”.
رغم ذلك، يرى طارق أن موضوع تعلم اللغة العربية بسيط مقارنة بالهوية الثقافية الكاملة للطفل، وهو ما يعتقد بوجوب التركيز عليه بشكل أكبر، فيضيف “يجب أن نركز على القيم والأخلاق التي يتلقاها الطفل في الحضانة والمدرسة، فمسألة اللغة بسيطة وقابلة للتعلم مقارنة بالدين والأخلاق، في الحقيقة هذا ما دفعني إلى البقاء في تركيا وعدم الهجرة إلى أوروبا، فحتى لو كنت قادرًا على الحفاظ على لغة ابني العربية، أعتقد أنني لن أتمكن من حد تأثير المجتمع عليه في أوروبا، خلافًا لتركيّا المتقاربة معنا ثقافيًا بشكل كبير”.
الاسم
يشكّل اسم الطفل بحدّ ذاته تلخيصًا لصعوبات الهوية التي يواجهها أيّ أبوين في البلاد غير العربية، ومن بينهما عبد الرحمن وهالة، المقيمان في كندا. تقول هالة “يستصعب أصدقاؤنا نطق اسم زوجي عبد الرحمن، حرف العين والحاء وطول الاسم أمور تسهم في ذلك وهو ما جعلهم يختصرونه بالجزء الأول منه فحسب (عبد)، كذلك كان الأمر في نطق اسم ابنتنا حلا إذ يغدو لفظه شبيهًا باسمي، لهذا عندما حملتُ بابننا الأصغر قررنا أن نسميه باسم عربيّ الأصل والمعنى، وبسيط اللفظ”.
وهكذا، اضطر عبد الرحمن للتخلي عن كنيته منذ طفولته “أبو حمزة” فور معرفة جنس الجنين، وبدأت مرحلة البحث عن اسم، تقول هالة “رغم أن قرار عدم تسمية المولود بحمزة أثارت انزعاج والد زوجي إلا أنه تفهّم الأمر مع الوقت، وهكذا بدأنا البحث عن اسم، كانت لدينا قائمة مقترحات طويلة، لكننا اعتمدنا في النهاية على جود بعد التأكد من تمكّن أصدقائنا الكنديين من لفظه بشكل صحيح وسهل، وهكذا صار عبد الرحمن أبو جود”.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :