خرج إلى المشفى ولم يُعرف عنه شيء بعدها
“السياسة” تفرض خيارات صعبة على الجرحى والمرضى في درعا
عنب بلدي – درعا
تعاني محافظة درعا عمومًا من ضعف في القطاع الصحي والعلاجي، جعلها تعتمد بشكل كبير على مشافي المملكة الأردنية لعلاج المصابين بجروح خطيرة، وأولئك الذين يحتاجون للعناية المركزة.
رغم الجهود الكبيرة التي بذلتها الجهات الإغاثية لرفع مستوى الرعاية الصحية في درعا، إلا أنها كانت تصطدم دائمًا بغياب الإمكانيات والافتقار إلى أطباء باختصاصات دقيقة، فاقتصر الدعم على تقديم المستلزمات الإسعافية ورفع إمكانيات العمليات الجراحية المتوسطة، وكذلك الأمر على مستوى علاج بعض الأمراض المزمنة، لتقتصر الأدوية المتوفرة على أنواع محدودة، تغيب عنها الكثير من الأدوية التخصصية، وتبقى الفرق الطبية في المحافظة عاجزة عن تقديم خدماتها لأصحاب الإصابات الخطيرة، وكذلك من يعاني من الأمراض المزمنة، ما يجعل الجرحى والمرضى يتكبدون مشقة كبيرة جدًا في رحلة صعبة للبحث عن العلاج.
إنساني أم سياسي؟
الحديث الإعلامي عن غياب الإمكانيات الكبيرة للمشافي الميدانية في درعا، ليس الأول من نوعه، وكثيرًا ما حظي هذا الموضوع بنقاشات واسعة، تعددت فيها المبررات التي قدمتها الجهات المعنية به، لكن معظم هذه المبررات لم تكن مقنعة للأوساط المحلية، التي ترى أن ملف الرعاية الصحية تحول من كونه إنسانيًا إلى ملف سياسي.
هذا الرأي أيّده الطبيب زياد الحريري، في حديثٍ إلى عنب بلدي، معتبرًا أن تقديم العلاج أو الحرمان منه، هو إحدى الأوراق التي تمسكت بها دول الجوار للضغط على الداخل السوري، “في البداية غياب الإمكانيات غير مبرر، هناك كثير من الجهات الداعمة وحتى المتبرعون قدموا مساهمات لرفع مستوى الرعاية الصحية، عبر توفير الأجهزة الحديثة، لكن هذه المبادرات جوبهت بحائط عدم السماح بوصولها للداخل السوري”.
وبحسب الطبيب الحريري، فإن هذا الأمر كان مقصودًا، هدفه التحكم بالملف الصحي في الداخل من قبل الدول الإقليمية، فـ “غياب إمكانيات تقديم العلاج لحالات العناية المركزة، يجعلنا نعتمد على إرسال المصاب إلى مشافي الأردن، وهو ما استغلته الأردن وغيرها من دول الجوار، لتمارس الضغط على الفصائل والأهالي”.
ويوضح أن الأردن تبادر لإغلاق الحدود بوجه الجرحى، عند وجود أعمال عسكرية لا تحظى بموافقتها، مؤكدًا “هذا الإغلاق يضعنا أمام مأساة إنسانية كبيرة، عندما نقف أمام جرحى نحن عاجزون عن تقديم أي مساعدة لهم”.
وتعود حوادث إغلاق الحدود أمام الجرحى لأهداف سياسية، كثيرة التكرار، لعل آخرها إغلاق الحدود بوجه جرحى معركة “الموت ولا المذلة” في مدينة درعا التي انطلقت منتصف شباط الماضي، وهذه المعركة، بحسب مصادر عسكرية، لا تحظى بموافقة أردنية، وهو ما دفعها لعدم استقبال أي جريح من المعركة، ما تسبب بمقتل 16 جريحًا على الأقل خلال شهر واحد، نتيجة عدم حصولهم على العلاج، بحسب ما وثقه الناشطون.
الحل في إسرائيل أم عند الأسد؟
الحلول أمام من تغلق الحدود بوجوههم محدودة جدًا، وعلى الرغم من أن مشافي إسرائيل تقدم العلاج لبعض الحالات، إلا أنها قد تستغرق أيامًا قبل حصول الجريح على إذن للعلاج، وقد يضطر المسعفون وذوو الجريح للتنقل بين المشافي الميدانية، على أمل أن يقدم أحد المشافي المساعدة.
بينما يختار بعض ذوي الجرحى من المدنيين أخذ “المغامرة الخطيرة” بإرسال ذويهم لتلقي العلاج في المناطق الخاضعة لسيطرة قوات الأسد، ويقول الطبيب “في الآونة الأخيرة بدأنا نشهد ارتفاعًا واضحًا في أعداد الجرحى الذين يختارون العلاج في مشافي النظام بعد انقطاع كافة سبل العلاج الأخرى”.
وتعتبر النسبة الأكبر من هذه الحالات، بحسب الحريري، ممن يتعرضون لحوادث سير ومن النساء والأطفال، “يتم التواصل مع الهلال الأحمر من قبل ذوي الجريح والتنسيق معهم لنقله من خلال إحدى الحواجز، لتلقي العلاج غالبًا في مشافي دمشق”.
ويبقى الأهالي حبيسي الأنفاس خوفًا من أي اعتقال أو تحقيق قد يخضع له الجريح أو مرافقوه خلال فترة العلاج.
ماذا عن أصحاب الأمراض المزمنة؟
على الجانب الآخر هناك معاناة أقل ظهورًا للإعلام لدى الجرحى من أصحاب الأمراض المزمنة، كالسكري والضغط والسرطان وغيرها، ممن يحتاجون إلى أدوية نادرة ومرتفعة السعر، ليعاني المئات من أهالي المناطق الخاضعة للمعارضة في درعا، من صعوبات في الحصول على العلاج بشكل منتظم.
عنب بلدي تحدثت إلى الصيدلانية آيات، التي أوضحت أن أدوية الأمراض المزمنة كالسكر وضغط الدم تؤمّن من خلال المشافي الميدانية حصرًا، “يتم توريد هذا النوع من الأدوية عن طريق المنظمات المساهمة من خارج سوريا، ولكن بكميات محدودة تتناسب مع أعداد المرضى”.
وعلى الرغم من أن هذه الأدوية توزّع مجانًا، إلا أنها تبقى “رهينة الحدود المفتوحة”، أو تباع بأسعار مرتفعة في المناطق التي تتوفر فيها هذه الأصناف. وتعلل آيات الأمر، “السبب أننا نعتمد على التهريب للحصول عليها، سواء تم التهريب من خارج سوريا، أو من المناطق الخاضعة للنظام، أما الأدوية الخاصة بعلاج الأمراض الأخطر كالسرطان فهي غير متوفرة نهائيًا”.
عائلة أحمد الزعبي، المعتقل في سجون قوات الأسد، روت تفاصيل قصته لعنب بلدي، وبدأت بالبحث عن العلاج وانتهت بالاعتقال، موضحة أن أحمد اكتشف إصابته بسرطان الدم (اللوكيميا) قبل سنتين.
بعد اكتشاف المرض، لم يكن بالإمكان الخروج باتجاه الأردن والإقامة فيها للحصول على العلاج، كما تغيب الأدوية في المناطق المحررة نهائيًا، الأمر الذي دفع أحمد وعائلته للتفكير بالعلاج في مشافي النظام السوري.
ورغم أن أحمد مدني ولم يحمل السلاح أبدًا، إلا أنه كان مطلوبًا للنظام لمشاركته في المظاهرات، ولذا تواصلت العائلة مع الشخص الذي أوصله إلى مناطق النظام لإجراء “مصالحة”.
ونجح أحمد بعد “المصالحة” في الحصول على العلاج من إحدى المستشفيات في دمشق، “كان يخرج كل شهر تقريبًا لدمشق، لتلقي العلاج والعودة مرة أخرى، وتكرر هذا الأمر أربع مرات فقط”، وفي المرة الخامسة التي ذهب أحمد لتلقي العلاج في دمشق اعتقل من قبل قوات الأسد، ومازالت عائلته تجهل أي معلومات عنه حتى اليوم.
يسعى الأطباء والقائمون على الملف الطبي في الثورة السورية، بشكل متواصل، إلى النهوض بهذا القطاع، والتخلص من تبعيته للدول المجاورة، في الوقت الذي تسعى فيه هذه الدول نفسها، نحو الحفاظ على قدرتها على التحكم بالملف الطبي، رافعة كل أشكال الإنسانية عنه، لتدرجه في خانات الحسابات السياسية، لتجعل الآلاف عرضة للموت البطيء بسبب الحرمان من العلاج.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :