محمد رشدي شربجي
من جديد، تثبت الأحداث أن كلفة تثبيت نظام الأسد على روسيا وإيران ستكون أكبر بكثير من جعله يكسب معركة هنا ومعركة هناك.
لقد كان الأسبوع المنصرم جيدًا بشكل “نادر” للثورة. تقدمت المعارضة في أحياء دمشق الشرقية بداية، ثم شنت هجومًا منسقًا على مواقع النظام في ريف حماه الشمالي، انهارت أمامه دفاعات النظام المهترئة ثانيًا، عدا عن انسحاب تنظيم الدولة من سلسلة جبال ومناطق استراتيجية في القلمون الشرقي وريف درعا أخيرًا.
وتشير التطورات الأخيرة إلى الضعف الذي وصلت إليه قوات النظام وعدم قدرته على الحفاظ على مناطق حيوية -ناهيك عن شن هجوم مركّز على مناطق المعارضة- بدون تخطيط وتنسيق وتنفيذ مباشر من حلفائه الروس والإيرانيين وميليشياتهم الكثيرة المتكاثرة، فمعركة استعادة أحياء دمشق الشرقية خاضتها حركة النجباء العراقية، بغطاء ناري وجوي روسي أعاق تقدم المعارضة، ولمن لا يعرف النجباء فهي حركة “تنويرية” طبعًا، ولذلك يدعمها التحالف الدولي لاستعادة الموصل أيضًا.
أما معارك ريف حماه فتخوضها وحدات إيرانية أخرى بغطاء الروس أيضًا.
ويدلّل على ذلك صورٌ نشرها مقاتلو النجباء من وسط دمشق، في وقت أعلنت فيه الحركة عن تشكيل فيلق لـ “تحرير الجولان” من إسرائيل، دون أي تنسيق أو تعليق من النظام السوري، إلى جانب إعلانات متوالية عن مقتل ضباط إيرانيين وقياديين في “الحرس الثوري” في معارك “الواجب الجهادي” في حماة.
وتشير هذه التطورات إلى قدرة المعارضة على الفعل واستلام زمام المبادرة، بالرغم من كل ما قيل في الفترة السابقة عن انتهاء دورها وفعاليتها بعد سقوط حلب، خاصة حينما تعمل بحد أدنى من التنسيق والتخطيط، وهو ما تحتاجه الثورة أكثر من أي وقت مضى.
ولكنّ هذا التخطيط مازال بعيد المنال للأسف، فمعركة دمشق انطلقت باستبعاد مقصود لـ “جيش الإسلام”، القوة الضاربة في الغوطة الشرقية، ولا يخفى على أحد كذلك استبعاد “أحرار الشام” في معركة ريف حماة، لتضطر الحركة إلى دخول خطّ المعارك، مع فصائل مقربةٍ منها، من محور آخر أكثر صعوبةً وأقل تأثيرًا.
المعركة في ميدان السياسة لا تقل ضراوة ولا أهمية عن معركة ميدان القتال، ولن تستطيع الثورة ترجمة تقدم الميدان إلى مكاسب ما لم تحاول استغلالها سياسيًا، وهو ما سيكون متعذرًا مع هيئة تحرير الشام كرأس حربة في المعارك الأخيرة، الهيئة التي لا تعترف أساسًا بالتحرّك السياسي للمعارضة وتعتبره “خيانةً”.
في المحصلة، أثبت التطورات الأخيرة أن معركة الأسد مازالت طويلة، ولن تستطيع إيران ولا روسيا إنهاءها لمصلحتهما ببساطة، وليس من حدّ ينهي عمليًا هذه المعركة إلا تسوية سياسية حقيقية تفرضها الدول على بشار الأسد، وباقي أقطاب محور المقاومة والممانعة المتعطشين لهزيمة إسرائيل عبر دماء وأشلاء السوريين.