عنب بلدي – ر. ك
أخذت برامج اكتشاف المواهب موقعها على شاشة المشاهد العربي، حتى أصبحت روتينًا أساسيًا ينتظره الملايين من موسم إلى آخر.
ولم تخلُ من وجود أطفال موهوبين، وقفوا جنبًا إلى جنب في منافسة لقدرات الكبار، وأضافوا قيمة وشهرة للبرنامج بعفويتهم وبراءتهم، حتى ظهرت برامج متخصصة لهم، لعل أشهرها برنامج “ذا فويس كيدز”، الذي عُرض بموسمه الأول على قناة “إم بي سي”، منتصف العام الماضي.
ورغم أن برامج اكتشاف مواهب الأطفال ليست جديدة في عالمنا العربي، إلا أنها أحدثت نقلة نوعية مؤخرًا، فبعد أن كانت محلية وتُعرض في فترة النهار وخلال فقرة الأطفال، أصبحت الآن “عربية” وموجهة للبالغين في الفترات المسائية.
أطفال سوريون قصصهم تسبق موهبتهم
كان لأطفال سوريا حصة كبيرة من برامج اكتشاف المواهب، وأبهر بعضهم العالم بما يحملونه من قدرات رغم الظروف التي يعيشونها منذ سنوات.
إلا أن الملفت مؤخرًا هو تركيز البرامج على قصة “إنسانية” عاشها الطفل السوري المشارك في البرنامج، حتى بات الجمهور يرى القصة قبل صعود الموهبة على خشبة المسرح، ما أثار علامات استفهام حول محاولة القائمين على البرنامج استعطاف الجمهور.
ونذكر هنا أشهر الأطفال السوريين الذين شاركوا في برامج اكتشاف المواهب، وأثرت قصصهم في الجمهور.
نائل طرابلسي
شارك نائل في برنامج “أرابس غوت تالنت” في موسمه الثالث عام 2013، وأظهر موهبته في العزف على آلة البيانو وهو في عمر تسع سنوات.
إلا أنه أدهش لجنة التحكيم بموهبة أخرى، وهي قدرته على معرفة الـ “نوتات الموسيقية” من السمع دون النظر إلى البيانو، وهو ما يصعب على المحترف معرفته، بحسب ما قالت الفنانة نجوى كرم، إحدى أعضاء لجنة التحكيم.
“كان لدي بيانو أتدرب عليه إلا أنه تدمّر مع منزلنا خلال المعارك في حمص”، هكذا بدأ نائل حديثه على خشبة المسرح، محدثًا تأثيرًا لم يخفَ على وجوه لجنة التحكيم والجمهور.
وتخطى مرحلة العروض الأولية ووصل إلى نصف نهائيات البرنامج، إلا أنه خرج منها بعد أن حصل على بيانو قدمه له مقدّم البرنامج هديةً من الجمهور.
غنى بو حمدان وأمير عموري
شهد برنامج “ذا فويس كيدز” بموسمه الأول اشتراك عدد كبير من الأطفال السوريين، وصل إلى خمس مشاركات.
إلا أن الأضواء كانت أكثر تسليطًا على غنى بو حمدان التي بكت وأبكت لجنة التحكيم والجمهور، خلال تأديتها لأغنية “عطونا الطفولة” متحدثةً باسم ثلاثة ملايين طفل سوري، لم يعرفوا منذ ولادتهم سوى الدمار والحصار والتهجير.
خلال الساعات الأولى من عرض موهبة غنى الغنائية، حصدت ملايين المشاهدات على “يوتيوب”، وتضاربت الآراء حول وصولها إلى مراحل متقدمة من البرنامج، معتبرين أن لغيرها الأحقية في مكانها، خاصةً بعد تصريحها أن سبب بكائها هو فرحها لاجتياز المرحلة الأولى (الصوت وبس)، واختيار نانسي عجرم لها.
أ
إلا أن أمير أثبت موهبته بوصوله إلى المرحلة النهائية وفاز باللقب عن فريق تامر حسني، بصوته “الناضج” واحترافه الغناء، بحسب ما قال أعضاء لجنة التحكيم.
جان خليفة
لم تقتصر مشاركة الأطفال السوريين على برامج المواهب بنسخها العربية، بل وصلوا، بسبب ظروف اللجوء، إلى النسخ الأوروبية منها.
وأشعل الطفل السوري جان خليفة مسرح “ذا فويس كيدز” الهولندي، بعد أن أدى أغنية للمطربة الأمريكية ريهانا، أهّلته للمرحلة الثانية من البرنامج.
تفاجأت لجنة التحكيم بعد أن عرفت أن جان سوري الجنسية، وأنه لا يجيد اللغة الهولندية، وأحدث تأثيرًا بعدما قال إنه قدم إلى هولندا بعد رحلة معاناة طويلة من مدينة حلب، إلى تركيا ثم اليونان وصولًا إلى هولندا.
وأضاف أنه يعيش في مركز إيواء للاجئين بمدينة ديفنتر الهولندية، مع والدته وجدته وأخته، وأنه يريد أن “يبدأ حياة جديدة”.
فرقة “راب النار“
“منشتاق لبيتنا وبيت جدي ورفقاتنا”، أمنيات جاءت على ألسنة ثلاثة أطفال سوريين، شاركوا في الموسم الخامس من “أرابس غوت تالنت”، الذي بدأ في 11 آذار الجاري.
سمير وعبد الرحمن ومحمد كربوج من مدينة حلب، نزحوا مع عائلتهم إلى لبنان قبل أربع سنوات ويقطنون في مخيمات لبنان اليوم، ووفق ما تحدثوا به إلى اللجنة، فقد نزحوا بعد استهداف منزلهم في المدينة.
تمرّن الأطفال على أغنية “راب” في المخيم حيث يقطنون، وكان نص الأغنية من تأليفهم، وتضمنت عبارات تحكي واقع الحال في سوريا، معبرين عن أمل أطفال سوريا بالعودة إلى بلدهم.
عقب انتهاء أدائهم، لقي الأطفال تعاطفًا واضحًا وإعجابًا من لجنة التحكيم، وأظهرت مشاهد خلال البرنامج بكاء بعض من كانوا وراء الكواليس.
تعاطف أم زيادة أرباح؟
تحدثت عنب بلدي إلى الناقد الفني أنس عدنان الذي لفت إلى أن إدارة البرامج تتجه في الآونة الأخيرة إلى البحث عن أصحاب المواهب، أو الأشخاص “المتميزين”، أو أصحاب القصص الذين من الممكن أن يعكسوا تأثيرًا إنسانيًا على الجمهور.
وتهدف إدارة المحطات بذلك إلى “استعطاف” الجمهور ولفت انتباهه إلى البرنامج، والترويج له على أنه يحمل “قيمًا إنسانية نبيلة”، وأنه ليس مخصصًا للترفيه فقط، بحسب عدنان.
إلا أن الصحفي والمسرحي حسين برو قال، خلال حديثنا معه، إن هدف البرامج من ذلك هو زيادة أرباحها عبر التأثير بالجمهور ودفعه إلى تكثيف تصويته للطفل “المسكين”.
ورفض برو فكرة أن تكون البرامج متعاطفة مع الحالة السورية، وأضاف أنها “لعبة من البرامج لاستدرار عواطف المشاهد العربي الذي يشكل ركيزة ربح أساسية لها”.
عنب بلدي حاولت التواصل مع فرقة “راب النار” لمعرفة رأيها بالموضوع، إلا أن مدير جمعية “سنبلة” والمسؤول عن الأطفال الثلاثة، رفض الإدلاء بأي تصريح قبل الحصول على موافقة قناة “إم بي سي” الراعية للبرنامج.
“استمرارية الأطفال كفيلة بإثبات موهبتهم“
الناقد الفني أنس عدنان ترك للجمهور الحكم على أحقية الموهبة بالمشاركة، وقال “الأمر عائد كليًا للجمهور، فبراءة الأطفال وشكلهم وعفويتهم، كفيلة بدخولهم إلى قلوب المشاهدين”.
إلا أن ثبات الأطفال على موهبتهم واستمرارية نجاحهم في المستقبل وبقائهم تحت الأضواء، كفيل بإثبات موهبتهم وأحقيتهم بالنجاح الذي حققوه، بحسب ما قال الناقد الفني.
وخير مثال على ذلك الطفل نائل طرابلسي، الذي نقل نجاحه معه إلى ألمانيا بعد أن لجأ وعائلته إليها، عام 2015، وتقدم بطلب الانتساب إلى أكاديمية اليافعين للمسرح والموسيقى في جامعة ميونيخ، ونال إعجاب مدرسيه ووسائل الإعلام المحلية في البلاد، متفاجئين من قدرته على منافسة اليافعين.
واحتفت القناة الألمانية الأولى بـ “الطفل المعجزة” كما وصفته، وأشارت إلى قدرته على عزف مقطوعات صعبة على البالغين كـ “تارانتيلا” لآلبرت بيتشوكا.
وهنا طغت موهبة الطفل ذي الـ 12 عامًا، على قصته الإنسانية، بحسب ما عبر الجمهور على صفحات التواصل الاجتماعي.
ولكن هل سيُثبت بقية الأطفال السوريين موهبتهم بعيدًا عن قصصهم الإنسانية؟
سلبيات وإيجابيات ظهور الطفل الموهوب إلى الأضواء
حسين برو أشار إلى أن استغلال الأطفال إعلاميًا أمر خارج عن أخلاقيات العمل، وله انعكاس “سلبي” على الطفل عندما يكبر ويستذكر معاناته في طفولته.
واعتبر أن هذه البرامج هي “بديل الإهمال” الذي يواجهه الموهوبون في سوريا، وسط غياب البرامج الهادفة التي تسلط الضوء على إبداعهم بعيدًا عن الاستعطاف.
ولم ينكر برو أن الأطفال السوريين يمتلكون مواهب عديدة، وقال “لا يمكن أن نضحك على الجمهور وندفعه إلى التعاطف مع طفل لا يملك موهبة حقيقية ومختلفة عن غيره”.
وكذلك أشاد الناقد الفني أنس عدنان بوجود أطفال سوريين موهوبين حتى قبل الحرب، إلا أنه حذّر من استغلال بعض البرامج لمعاناتهم بهدف تحقيق مآرب ترويجية، أو دفع الجمهور إلى تبنّي رأي سياسي ووجهة نظر معينة.
وتابع عدنان “إن التركيز على القصة الإنسانية لكل طفل قد يعرضه لضغوط نفسية، نتيجة تبنيه لقضية أكبر من عمره وقدراته”.
كما حذر من خطورة تعرض الأطفال لأضواء الشهرة بعمر مبكر، بفعل مواقع التواصل الاجتماعي وما توفره من سهولة متابعة الطفل والتواصل ومعه.
ورصدت عنب بلدي وجود آلاف المعجبين على صفحات الأطفال المشاركين ببرامج المواهب في “فيس بوك”، فالطفل أمير عموري لديه ما يزيد عن 62 ألف متابع لصفحته في “فيس بوك”، فيما وصل عدد متابعي زين عبيد إلى 35 ألفًا.
ونبّه أنس عدنان الأهالي إلى ضرورة توعية أطفالهم بإيجابيات وسلبيات الشهرة، وتعليمهم طريقة التعامل مع الفئات المختلفة من الجمهور.
المواهب السورية ليست جديدة في عالم إبداع الطفل، إذ سبق وحققت هالة الصباغ وهي بعمر عشر سنوات، التفاتة عالمية نحوها بعد أن غنت باللغة العربية والإيطالية، أغنية “يا أطفال العالم”، عام 1998، والتي نالت الجائزة الذهبية عنها بمهرجان “النقود الذهبية” الإيطالي.
إلا أن الجديد في الموضوع هو إبراز معاناة الأطفال السوريين قبل موهبتهم، ما يثير شفقة وتعاطف الجمهور معهم، ليختلط الموهوب بغير الموهوب.