جريدة عنب بلدي – العدد 16- الأحد – 20-5-2012
تحدثنا في العددين السابقين عن آثار العقوبات المفروضة على سورية ودورها في تجفيف منابع النظام، وكيف استطاعت هذه العقوبات -جزئيًا- حرمان النظام من جزء مهم من موارده والمتطلبات التي اعتاد الحصول عليها والتي استخدمها في قمع الثورة السورية.
ورغم أن من فرض هذه العقوبات أكد أنه سيضعها بصيغةٍ تكون انعكاساتها السلبية على المواطن السوري بالحد الأدنى، إلا أن ذلك لم يكن الواقع عمليًا. فقد كان لهذه العقوبات آثارها السلبية على المواطنين والتي انعكست أحيانًا ب
فقد كانت العقوبات سببًا مباشرًا -أو غير مباشر- لإغلاق العديد من المشاريع والشركات مما أدى إلى تسريح العاملين فيها لينضموا إلى جيش العاطلين عن العمل الذي أوجده النظام طيلة السنوات الماضية. فكثيرٌ من المنشآت الصناعية والتجارية كانت تعتمد على تصدير منتجاتها لاسيما إلى الدول الأوروبية، وفي ظل العقوبات تواجه هذه المنشآت صعوباتٍ ترتبط بتأمين وسائل النقل أو التأمين على البضائع، ولم تكن قادرة على إيجاد أسواقٍ بديلةٍ لتصريف منتجاتها، مما أدى إلى توقف هذه الصادرات وبالتالي توقف هذه المنشآت -جزئيًا أو كليًا- عن العمل وتسريح العاملين فيها.
وقد أظهرت دراسةٌ رسميةٌ أن عدد المنشآت التي أغلقت أبوابها بشكل رسمي منذ مطلع العام 2011 قد بلغ 187 منشأة. ورغم أن معظم هذه المنشآت قد أغلقت بسبب تردي الوضع الأمني وعدم قدرة الدولة على القيام بإحدى مهامها الأساسية المتمثلة بتوفير الحماية لمواطنيها وممتلكاتهم، فإن بعض المنشآت قد أغلقت بسبب عدم القدرة على تسويق منتجاتها أو لعدم قدرتها على استيراد المواد الأولية اللازمة للإنتاج.
ومن الآثار الأخرى الواضحة والمؤثرة تأثيرًا مباشرًا، عدم توافر بعض المواد المستوردة أو النقص في كمياتها المعروضة ومنها المشتقات النفطية. فالإنتاج المحلي من النفط ومشتقاته لا يغطي كافة احتياجات السوق المحلية، وفي ظل العقوبات التي طالت الشركة السورية للنفط وشركة محروقات فقد توقفت الشركات الأجنبية الموردة للمشتقات النفطية عن تزويد هاتين الشركتين باحتياجاتهما مما أدى إلى نقص في عرض هذه المواد في السوق المحلية. ولعل
أزمة الغاز الحالية والتي تتكرر للمرة الثانية خلال بضعة أشهر أوضح مثال على انعكاس العقوبات على المواطن السوري.
فما العمل؟
لابد من التأكيد على أن النظام حاول -ويحاول- الإفادة من هذه المعطيات لخلق ما يمكن وصفه بالأزمة الإنسانية لكسب بعض التعاطف والتجييش محليًا ودوليًا ضد هذه العقوبات التي يكرر أنها تستهدف لقمة عيش الشعب وقوته، ولضم الفئات الصامتة أو المترددة إلى صفه. لذلك يجب العمل على نفس المسار لكسب نفس التأييد ولتوضيح أن ممارسات النظام وأفعاله هي التي استوجبت هذه العقوبات وبالتالي فهو المسؤول الأول والأخير عن كل آثار وانعكاسات هذه العقوبات على المواطنين.
فتصريحات مسؤولي النظام حول عدم وصول شحنات الوقود والمازوت نتيجة العقوبات وما استتبعه ذلك من نقص في الكميات المعروضة منهما -وإن كان فيها شيء من الصحة- فليست سوى أداة لافتعال أزمة بهدف الضغط على المواطنين لاسيما في المناطق الثائرة ولتحقيق هدف آخر هو التمهيد لرفع أسعار هذه المواد -وهو ما جرى فعلًا حين تم رفع السعر الرسمي لليتر المازوت من 15 إلى 20 ليرة سورية- لتأمين موارد إضافية للنظام لتمويل عملياته في قمع الثورة السورية. فكيف يمكن أن نقتنع بعدم توافر المادة في حين أن مركبات النظام وآلياته العسكرية والمدنية التي تروع المواطنين وتنشر الدمار على مدى ساحة الوطن تجول وتدور ولا تعاني من أي نقص في الوقود؟؟!!
هنا يأتي دور المواطن السوري في عدم الانجرار وراء النظام أو مساعدته على خلق الأزمة التي يريد. فعلى الدوام كانت الشائعة والعامل النفسي عاملًا أساسيًا في خلق الأزمات. لذا ينبغي علينا التعامل بحكمة مع هذه الظروف. فما المبرر لأي منا أن يسهم بافتعال أزمة الغاز التي نعيشها حاليًا؟؟ لماذا يحارب الواحد منا من أجل استبدال أسطوانة الغاز الفارغة التي لديه رغم أنه يمتلك أسطوانةً أخرى أو أكثر ممتلئة؟ لماذا يقف الواحد منا في طوابير طويلة أمام مراكز توزيع الغاز ولساعات طويلة لاستبدال الجرة الفارغة رغم أنه ليس مضطرًا لذلك؟؟ إن السبب الأساسي وربما الوحيد هو سعينا خلف الخبر/الشائعة الذي يدفع الآخرين لـ «سرقتنا» بل ونساعدهم ونعينهم على ذلك وإلا فالمبرر كي اشتري اسطوانة الغاز بضعف ثمنها أو أكثر رغم أني لست مضطرًا لها؟؟
إن ما يقوم به البعض من استغلال المواطنين وحاجتهم بزيادة سعر أسطوانة الغاز -أو أية مادة أخرى- دون مبرر هو عمل لا إنساني ولا وطني ويتنافى مع تعاليم ديننا وأخلاقيات الثورة التي تهدف إلى العدالة ورفع الظلم. لذلك علينا جميعا التعاون لمنع مثل هذه التصرفات ولتلافي السقوط في الفخ الذي يريد النظام إيقاعنا به من خلال افتعال مثل هذه الأزمات.