طريف العتيق
يظل وجود الإنسان ناقصًا إلى أن يعثر على شريكه الروحيّ، ليشاطره حياةً عاطفيّة ونفسيّة وجسديّة كاملة، فتخلق من هذه المعاشرة الوجوديّة سكينة ومحبة ورحمة، تُدخل الإنسان في صيرورة تكامل لا تتوقف، حتى يقال في المدروجالشعبيّ «الزواج نصف الدين»، وليس المقصود بمقولة كهذه الزواج من حيث هو رابطة اجتماعيّة فحسب، بل بما يحمله من الحمولات القيميّة السابقة، ولذا فإن اختيار الشريك المناسب يلعب دورًا رئيسًا في تحقيق ذلك كلّه أو نفيه، ومن هنا فإن فشل علاقة الزواج، من حيث سوء الاختيار، أو سوء الإدارة، أو سوء الخلق، حريّ أن ينجم عنه ما هو نقيضٌ من ذلك كلّه، فتغدو الحياة سجنًا مريرًا، وأسرًا يكبّل الإنسان وطاقاته وحياته، حتى يصحّ القول بأن الزواج الفاشل إعاقة وجوديّة كاملة.
ومن هنا يأتي «الطلاق» كحلّ للمشكلة، بل كحامل آخر لذات المضامين القيميّة التي كانت تنطبق على الزواج الناجح، بعبارة أخرى فإن السكينة والمحبة والرحمة التي تتحقق في الزواج الناجح، تعود لتتحقق في الطلاق في حالة الزواج الفاشل.
المشكلة أن الزواج عندنا تحوّل إلى نسخته الكاثوليكيّة في المسيحيّة، مع مقولة «أبغض الحلال إلى الله الطلاق» التي امتزجت مع فهم شرقي، وتقديس لرأي المجتمع ونظرته، حتى لو تبنت معايير مخالفة للدين.
فبات «كلام الناس» و «نظرتهم» تلعب الدور الرئيس في حياة الفرد، «نظرة الناس» التي تنظر للأنثى المطلقة أو الأرملة نظرة «نخب ثالث».
وما يظنه الكثيرون بأن مقولة «أبغض الحلال إلى الله الطلاق» حديث نبويّ، فكلام لا يصحّ، إذ قد ثبت عند أهل الحديث أنّ هذا القول ضعيف الإسناد، فلا يصحّ الاحتجاج به فضلًا عن بناء تصوّر كامل لثنائيّة الزواج/الطلاق عليه.
وأما قوله تعالى {وعاشروهن بالمعروف، فإن كرهتموهن، فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا}، فليس المقصود منه صبر الزوج على زوجة يكرهها، ولا يطيق معها حياة، كما شرحنا منذ قليل، بل قد أثبتت الآية «خيرًا كثيرًا» في العلاقة، التي لا يجب أن يضيرها وجود شوائب ومنغصات لا تخلو منها علاقة قط، وهذا ما يدعمه قول النبيّ عليه الصلاة والسلام في صحيح مسلم « لا يفرَكْ مؤمنٌ مؤمنةً، إن كرِهَ منْها خُلقًا رضِيَ منْها آخرَ».
ويمكن القول بأن الفقه الإسلاميّ لم يعرف أو يعترف -للأسف- سوى بالطلاق المؤسس على آية {الطلاق مرتان، فإمساك بمعروف أو تسريحٌ بإحسان}، ولم ينفتح على أسّ الفراق في قوله تعالى {وإن يتفرقا يغن الله كلّ من سعته، وكان الله واسعًا حكيمًا}.
الفراق مفهوم قرآني مستند إلى معاني وجودية في عدم إمكانية أو جدوى الاستمرار في العلاقة طالما أنها باتت عبئًا خاليًا من المعاني ليس الأمر كما هو مع الطلاق حق للزوج أو مع الخلع الذي هو حق للزوجة.. بل هو قناعة مشتركة وحقيقة يعيشها الطرفان في غياب المعاني الجامعة بينهما، من هنا يمكن أن نعود لنقبل المقولة التي تذم الطلاق، ليس بالمقارنة مع الزواج (كما نفهم) بل بالمقابلة مع الفراق.
الزواج رابطة يفترض أن تعطي الإنسان وجودًا آخر، فإذا لم يكن كذلك، بل انقلب لعكسه، وجب إيجاد مخرج لذلك.