"عاصمة الثورة" بدون مقاتليها
الوعر الحمصي يودّع أبناءه إلى الشمال السوري
عنب بلدي – خاص
بدأت أولى خطوات اتفاق الإجلاء من حي الوعر في مدينة حمص، بخروج الدفعة الأولى من المقاتلين والمدنيين إلى المناطق المتفق عليها في الشمال السوري، لتنتهي حكاية “عاصمة الثورة” في المدينة، وتحترق آخر ورقة للمعارضة السورية فيها.
ويأتي الإجلاء تزامنًا مع “مراوغات” سياسية في أروقة اجتماعات التسوية السياسية “أستانة”، “جنيف4”، حاولت أن تتجاهل مصير الحي ومحاولات تفريغه على غرار ما آلت إليه المناطق الأخرى، خاصة في ريف دمشق الغربي.
السبت 18 آذار، أجلى 40 باصًا القافلة الأولى من أهالي حي الوعر، والتي قدر عددها بألفي شخص تضمنت 400 مقاتل، و200 جريح، بعدما جُمّعوا عند حاجز الفرن المتاخم للحي من قبل قوات الأسد.
وتوقفت الحافلات لثلاث ساعات، على حاجز الشؤون بعد مغادرة الحي، وصُوّر المقاتلون والأهالي “شخصيًا” من قبل الإعلام الرسمي والإعلام الروسي، إضافة إلى تفتيش دقيق.
وبعد الانتهاء من “التأكيدات الأمنية”، كما أسماها النظام السوري، انطلقت الحافلات شرقًا لتسلك الطريق المار من مدينة سلمية بريف حماة الشرقي، وبعدها إلى خناصر فبلدة دابق في الريف الشمالي، وصولًا إلى المحطة الأخيرة المتفق عليها في مدينة جرابلس.
وإلى جانب الباصات رافقت القافلة الأولى سيارات خاصة لنقل الجرحى من الأهالي بمبادرة من “الهلال الأحمر” وبضمانة الوفد الروسي، مع غياب تام للأمم المتحدة وفرقها، بحسب معلومات حصلت عليها عنب بلدي.
الأسد يغطّي الإجلاء بطريقته
في الساعات الأولى من بدء تنفيذ الاتفاق، أفرد إعلام النظام والوسائل الإعلامية الأخرى الموالية له مساحة واسعة للتغطية، إذ بدأت بتصوير الأهالي ساعة وجودهم عند الحاجز (الفرن)، بالإضافة للقاء شخصيات “فاعلة” من مؤسسات الأسد الأمنية، والمسؤولين في الوفد الروسي الضامن للعملية.
وعلى خلاف ما أبداه الأهالي والناشطون في الحي قبل خروجم، قال محافظ حمص، طلال البرازي، إن “عدد المقيمين في حي الوعر يصل إلى 40 ألفًا، وسيبقون في الحي لممارسة حياتهم”.
لكن وفق معلومات عنب بلدي فإن عدد السكان الذين ينوون مغادرة الحي يتراوح بين 25 و30 ألفًا، على مدار شهرين.
وأشار برازي إلى أن “الجيش السوري سيتولى إدارة المناطق في الوعر، وستفتح جميع المعابر لتعود الحياة إلى طبيعتها”، مضيفًا “روسيا هي الضامن في كل مكان… الجماعات المسلحة تقبل هذا الدور الداعم”.
ولم تخلُ تصريحاته من استشراف المرحلة المقبلة التي ستلي خروج الأهالي من حيهم، مؤكدًا “سندخل إلى الحي بكل مؤسسات الدولة وسنقيّم الأضرار وسنصلح ما تضرر”.
في حين أخذت عدة تصريحات لضباط روس، كانوا على تخوم الحي، منحى التأكيد على الدور الروسي في “إعادة المدن السورية آمنة”.
وبحسب بنود الاتفاق تبدأ عملية تسوية أوضاع من يرغب بالبقاء في مناطق النظام بعد ستة أيام من التوقيع، إذ تتضمن التسوية التي تم الحديث عنها تسليم السلاح، ليتم بعد فترة زمنية محددة اعتقال ومحاكمة من يثبت عليه أي جرم.
كما تدخل الشرطة السورية والشرطة الروسية في هذه الفترة، وتشكل لجنة من الحي لمتابعة أمور التفاوض، إضافةً إلى بقاء 300 “مسلح”، لضمان أمن الوعر بتنسيق مع النظام.
“جرابلس” تتجهز لاستقبال الأهالي
قبل وصول الأهالي إلى محطتهم الأخيرة في الشمال السوري، بدأت الفعاليات المدنية في مدينة جرابلس بريف حلب الشرقي بالتجهز لاستقبالهم.
ونقل مراسل عنب بلدي عن المكتب الإعلامي في المجلس المحلي لجرابلس، أن أعضاء المجلس اجتمعوا في الأيام القليلة الماضية مع المنظمات المدنية والإغاثية في المنطقة، وقرروا تقديم الدعم اللازم لأهالي الوعر.
وأوضح المكتب الإعلامي أن الدعم سيكون عن طريق إعداد مخيم مجهز للأهالي، وتقديم سلل إغاثية ومعونات لأهالي الوعر.
وأكد مصدر في المجلس المحلي أن منظمة “آفاد” التركية ستتولى بناء مخيم خاص لأهالي الوعر، خلال الأيام القليلة المقبلة.
وأشار إلى أن المجلس قد يلجأ إلى إعداد مراكز إيواء خاصة لأهالي الوعر في المدينة، إلى حين إنجاز بناء المخيم.
ولا تقتصر عمليات الخروج إلى مدينة جرابلس فقط، بل حدد الاتفاق الموقّع بين لجنة الأهالي في الوعر ووفد النظام، الخروج إلى بلدات ريف حمص الشمالي أيضًا، ومدن ومناطق إدلب وريفها.
محطّات الوعر في سنوات الحصار
خرج الحي الغربي من حمص عن سيطرة النظام السوري مطلع 2013، بعد عامين من بدء الحراك المناهض لبشار الأسد، على أيدي خلايا نائمة تتبع لـ “الجيش الحر” سابقًا.
كما تحول في مطلع الأحداث إلى مأوى للجرحى والمصابين من أحياء حمص القديمة، عدا عن نزوح عشرات العائلات الهاربة من قصف النظام وحملاته الأمنية على الأحياء القديمة.
بعد السيطرة عليه بقيت بعض المؤسسات العاملة التابعة للنظام فيه كـ “مبنى البيئة، والبريد، ومشفى البر، والقصر العدلي والسرايا”، لتقدم فيما بعد خلايا “الجيش الحر” على احتجاز عناصر النظام الموجودين في الحي، كـ “أسرى غير معلنٍ عنهم” في خطوة لضمان أمن الحي من القصف.
إلا أن الأسد بدأ بسحبهم تدريجيًا بعد أشهر ليبدأ رحلة الحصار المعروفة في أواخر تشرين الأول 2013، وعمليته العسكرية المشهورة التي بدأها بمعركة “الجزيرة السابعة” والتي هجّر من خلالها عددًا كبيرًا من المدنيين هربًا من التصعيد والقصف، وسيطر على أجزاء واسعة منها.
وقطعت قوات الأسد الكثير من الطرق التي تربط الحي بباقي أحياء حمص الخاضعة لسيطرتها، وأبقت على ممر وحيد يربطه بحي الإنشاءات، والذي قطع أيضًا بعد أيام.
يحيط بالوعر عدد كبير من القطع العسكرية من الجهة الشرقية والشمالية، وأهمها الكلية الحربية التي كان لها الدور الأكبر في استهدافه اليومي بقذائف الهاون وطلقات القناصة.
في المقابل توجد في قسمه الشمالي غابة صغيرة كانت منتزهًا لسكان حمص، إضافةً إلى منطقة البساتين جنوبه، التي شهدت السجال العسكري الأكبر بين المعارضة وقوات الأسد، وخسر خلالها النظام عشرات الآليات والقتلى.
في عام 2015 بدأ الحي “رحلة الهدن”، والتي أفضت إلى خروج دفعة من مقاتليه وعوائلهم إلى مدينة إدلب، كما فتحت بعض الممرات والمعابر كمعبر المهندسين لخروج بعض العائلات التي ترغب إلى أحياء مدينة حمص الأخرى، لتتبعها دفعات أخرى في أيلول 2016 إلا أنها حصرت إلى الريف الشمالي من المدينة فقط.
قسم الوعر إلى قسمين القديم والجديد، الذي تضمن ثماني جزر تحتوي على أبراج تتراوح بين 9 إلى 13 طابقًا، إضافةً إلى البنى التحتية والمراكز التي أنشئت حديثًا فيه كمدينة المعارض والحدائق.
وعلى مدار سنوات الحصار السابقة لم يسلم الحي من جميع أنواع القصف، فالهاون والأسطوانات المتفجرة باتت نصيبه اليومي من قبل مدفعية ومروحيات الأسد.
ليضاف إليها في أواخر 2016 القصف بالنابالم والصواريخ الفراغية، التي أوقعت العشرات من الضحايا والجرحى بين المدنيين في ظل فقرٍ بالمواد الطبية والإغاثية.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :