أورفة – برهان عثمان
أيامٌ تفصل مدينة الرقة، معقل تنظيم “الدولة الإسلامية” الرئيسي في سوريا، عن معركة ربما تتحوّل إلى حرب استنزاف طويلة.
ومن المحتمل أن تنطلق المعركة مطلع نيسان المقبل، وفق تصريحات لقائد عمليات “وحدات حماية الشعب” الكردية، سيبان حمو، لوكالة “رويترز”، السبت 18 آذار.
وتوقعت “الوحدات” السيطرة على الرقة خلال أسابيع عدة، إلا أنّ وزارة الدفاع الأمريكية نفت اتخاذ قرار نهائي من أجل بدء المعركة، وتوقّعت أن تكون أطول مما توقع قائد الوحدات.
التنظيم من جانبه، غيّر من سياسته القديمة، وعزّز من تحصيناته استعدادًا لخوض حرب شوارع في المدينة، وهي تغييراتٌ وإجراءاتٌ وصفها الأهالي بـ “المفاجئة”.
طائرات “أباتشي” تصل.. وتركيا “غائبة“
وتوقّع القيادي سيبان حمو، الذي يندر ظهوره الإعلامي، وصول مروحيات “أباتشي” الأمريكية لتقديم غطاء جوي في المعركة، مستبعدًا أي دور لتركيا في معركة الرقة، بالقول “سيحاول الأتراك تخريب العملية، لكن الوضع لن يسمح لهم بالكثير”.
وأوضح حمو، في حديثٍ إلى صحيفة “الحياة اللندنية”، أن الوحدات ستشارك مع مقاتلين عرب ضمن “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، مضيفًا أنّ “25% من القوة الإجمالية التي ستقتحم الرقة من مقاتلي الوحدات المتميزين في خبراتهم القتالية”.
وباتت “قسد” تطوّق الرقة من ثلاث جهات، بعد قطع طريق دير الزور، وأكّد القيادي وصول ألفي مقاتلي إلى بُعد 22 كيلومترًا غرب الرقة، و2500 مقاتل إلى 30 كيلومترًا منها، وثلاثة آلاف مقاتل إلى 17 كيلومترًا شرقَها.
تغييرٌ في سياسة التنظيم
لا تبعد المعارك عن الرقة سوى “مرمى حجر”، وفق وصف محمد علوش، النازح من دير الزور، والذي اعتبر أنه “رغم كل الأحاديث التي تثار عن الحشد ضد التنظيم، إلا أنه مايزال ثابتًا وقادرًا على موازنة التطورات”.
علوش، الذي استقر في الرقة منذ أكثر من ثلاث سنوات، أشار إلى أن التنظيم “يتصرف بحكمة فاجأت الجميع، من خلال إدارته للمعارك، بينما تركز القوات المهاجمة على نصر سريع بأي كلفة مع إهمال النتائج”.
يُغيّر التنظيم من سياسته في المناطق التي تصبح مهددة، ومنها حاليًا في الرقة، ووفق الناشط بكر سعود، فإنه استطاع التكيف بشكل جيد في المناطق التي خسرها، بما فيها ريفا حلب والرقة الشماليان.
كما حافظ التنظيم على قدراته البشرية وأدارها بحرفية، بحسب سعود، الذي وجد أن قوته فاعلة، ومايزال قادرًا على الوصول إلى مناطق بعيدة عن مراكزه، مدللًا على ذلك بما حدث في ريف الحسكة، من هجمات للتنظيم ضد “القوات الكردية”، وآخرها الحديث عن استقدامه عناصر جدد إلى بلدة مركدة.
استغلالٌ للمعارك
تستهدف الضربات الجوية مناطق التنظيم في الرقة بشكل شبه يومي، كما دمّرت خلال الأشهر الماضية جسورًا تصل بين مناطق سيطرته بهدف إضعافه، ما خلف عشرات الضحايا من المدنيين.
ويستفيد التنظيم من كل ما سبق، ومن ملاحقة الأهالي بتهمة “الدعشنة” في المناطق التي تخرج عن سيطرته، وفق ريم العلي، مدرّسة اللغة العربية التي عاشت سابقًا في الرقة ونزحت إلى ريفها.
ولفتت العلي إلى أن التنظيم “يعي المعارك الحالية بشكل جيد، ويعمل على توزيع المساعدات ومحاولة موازنة الأسعار، في إجراءات تجعل من مناطقه ملاذًا أكثر أمنًا من غيرها، وأبرزها إجبار بعض عناصره على الاعتذار عن أخطاء فردية بحق المدنيين”.
“على هامش الحرب التي تدور رحاها في كل من العراق وسوريا ضد التنظيم، هناك حرب أشد خطورة تدور في الكواليس، ستشكل في المستقبل مرحلة جديدة”، أضافت المدرّسة، ووافقها بعض من استطلعت عنب بلدي آراءهم، معتبرين أن “رفض القوى الخارجية إحدى الأوراق التي يستخدمها التنظيم لصالحه”.
إجراءات كانت مفاجئة للأهالي، إلا أنها سعي من التنظيم لكسب ثقتهم، وهذا ما تمثل بطلبه مؤخرًا من الأهالي، مراجعة مراكزه في الرقة، لاستلام أوراقهم الثبوتية والرسمية التي كانت محتجزة في دواوين “الحسبة” و”الشرطة الإسلامية” ومؤسساته الأخرى.
ووفق محمد هويدي، النازح من مدينة دير الزور، فإن التنظيم أصدر عفوًا عن بعض الجرائم والمخالفات التي كانت تستوجب السجن والغرامة، كحلاقة الشعر والتدخين واستخدام جهاز “الدش”، كما أطلق سراح عشرات السجناء ممن كانوا محتجزين لديه، ما دفع الكثير من الأهالي إلى البقاء، رغم تسهيل خروجهم ومنحهم أذونًا من قبل التنظيم.
هويدي ذهب بعيدًا عن المعارك، معتبرًا أن ما ينفذه التنظيم بادرة “حسن نية” وضمان لاستمرارية وجوده، عازيًا ذلك إلى أن وجوده لا يرتبط بهيكليته، وإنما بأفكاره التي يروج لها بين الناس.
تستقبل الرقة النازحين من ريفي حلب وتدمر مع انحسار سيطرة التنظيم، ورأى هويدي أن استقبالهم يعطي التنظيم صورة إيجابية، فهو يظهر حجم الدمار الذي يخلفه طيران التحالف والطيران الروسي، ويعرض صورًا من المجازر التي تلحق بالمدنيين.
استكمال التجهيزات
يستكمل التنظيم تحصيناته في المدينة، ويُجهّز المشافي الميدانية ويقطع الطرقات، إلا أنه يسمح لأصحاب المحال التجارية، ومن ضمنها مقاهي الإنترنت بالعمل يوميًا، ويحرص على تكثيف حركة عناصره في شوارع الرقة، في خطوةٍ يعتبرها الأهالي تهدف لنفي الأحاديث عن هروب عناصره من المدينة.
بينما تحدثت بعض وسائل الإعلام الأمريكية، عن استمرار التنظيم بإجبار المدنيين على الالتحاق في صفوفه.
لن تكون معركة الرقة سهلة في ظل الآلاف من العناصر الذين يقاتلون في صفوف تنظيم “الدولة”، الذي يروج بشكل مستمر إلى أن الهدف من المعارك المرتقبة في المدينة، سعيٌ إلى إفراغ المدينة من سكانها الأصليين من العرب السنة.
لكنّ اللعب على وتر العاطفة والدين، لم ينجح دائمًا، فتحدث ناشطون لعنب بلدي أن أنصار التنظيم في قرية الكرامة بريف المدينة طالبوا مقاتليه بالابتعاد عن مناطق المدنيين، ما أشعل مواجهات قُتل إثرها نجل “أبوعلي الشرعي”، أحد أبرز وجوه التنظيم.
كيف ستحسم المعركة؟
وفي ظل ضحالة المعلومات حول الطرق التي ستُتّبع ضد التنظيم في الرقة، أكدت مصادر محلية لعنب بلدي مشاركة عناصر من قوات النخبة الأمريكية في المعركة، وهو ما يستخدمه التنظيم في صالحه، مشددًا على خرق عادات وتقاليد المناطق، في سياسة انتهجها في مناطق أخرى كان يسيطر عليها سابقًا.
المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية، جيف ديفيس، أشار إلى احتمالية أن تكون معركة الرقة طويلة، وفق حديث إلى وكالة “رويترز”، معتبرًا أن “وقتًا طويلًا أتيح لتنظيم الدولة الإسلامية لبناء دفاعاته ومواقعه القتالية، وتلغيم منازل وسيارات بشحنات ناسفة بدائية الصنع”.
وتدعم الولايات المتحدة الأمريكية القوات الكردية في تحركاتها شمال شرق سوريا، وقتالها ضدّ تنظيم “الدولة”، فيما تعارض تركيا، التي تنشر قوّات لها في شمال حلب، تحرّكات “قوات سوريا الديمقراطية”، وتعتبرها تشكيلًا “إرهابيًا”.
“ستكون المرحلة المقبلة أشد خطورة، فزوال التنظيم من المدينة لا يعني انتهاءه”، وفق هويدي، الذي اعتبر أن غياب السلطة الإدارية في حال طرد التنظيم من الرقة، “سيقلص من حركته ولكنه سيكون موجودًا بشكل متخفٍ بين المدنيين، وربما تساعد الحاضنة الشعبية في خرق المجتمع الرقّي من جديد”.
يبقى الشكل الجديد لعلاقات الأهالي والسكان مع التنظيم مرهونًا بتطورات الوضع على الأرض، وسط غياب ملامح السلطة المقبلة لحكم المدينة، والتي وصفها بعض الأهالي بأنها “لا تقل بطشًا ولن تكون أفضل حالًا، بالنسبة للمدنيين المرهقين من الحرب المستمرة”.