ببساطة، ابدأ ببطء
قنديل ضاهر
اليوم، وخصوصًا بعد الثورات التي أيقظت الناس على واقع مرير من التخلّف الاجتماعيّ والثقافيّ، نجد أن معظم الشباب بدأ يفكّر في إعطاء جدّيّة أكبر في دراسته أو عمله، سواء لمصلحته الشخصيّة أو لمصلحة مجتمعه، بشكل يصبح فيه أكثر إنتاجيّة مما كان عليه، ويجعل منه شخصًا ناجحًا يُطلب للعمل مع أفضل الناس وفي أفضل الشركات.
وإذا بحثنا عن إشارة تثبت لنا أنّ الحياة في أحسن أشكالها تكون عندما نعيش ببساطة، تكون اليوم وسط كل هذا التشويش والفوضى والمشغوليّة وسباق الناس ليحققوا أهدافهم، ولكن هناك هدف واحد لا يتوق أحد لتحقيقه، وهو الحياة نفسها.
أرى في الجامعة بعض الزملاء الذين يمكن اعتبارهم مهووسين بفكرة الإنتاجيّة والنجاح، إذ يعطون هاتين الفكرتين أكبر من حجمهما الطبيعيّ، وذلك باستمرارهم في الدراسة بشكل متواصل مسابقين أنفسهم، مع إحساسهم الدائم بـ «ضيق الوقت»، فمعظم وقتهم مع المحاضرات والمراجع الاختصاصيّة الصرفة.
ربما يرى البعض أنّ هذا الأمر جيد، وسينتج عنه مهندسون أو أطباء ماهرون جدًا في اختصاصهم، ولكنه وفقًا للمفهوم السائد: «إذا لم تعمل بشكل متواصل، فإنك ستفشل بكل شيء»؛ المفهوم الذي يلزم «المنتجون» أنفسهم بنقله بدورهم لمن سيأتي بعدهم.
كما أننا اليوم متعلقون بشدّة بمفهوم العيش مع العمل المستمر لكسب المال بشكل مستمر، ونظن أن ذلك جيدٌ ومرضٍ. الهوس بهذا المفهوم صامت وخفيّ، يعيش في اللاوعي في العقل الجمعي للمجتمع كله.
فيما بعضنا مستعد لأن يعيش خارج أرضه ويعمل ليل نهار، يسابق الناس من كل العالم، فقط ليرضي نفسه وغروره بأنّه شخص ناجح جدًا وذو إنتاجيّة عالية، وهو يدرك بأنّ خط النهاية لا وجود له.
كل ذلك يجب أن يتغيّر لصالح «سعادتنا في الحياة» ولصالح تقديم عمل وفائدة حقيقيّة للمجتمع.
علينا أن نتذكر أن الحياة هي رحلة أو نزهة جميلة ينبغي أن نستكشفها ونستمتع بها، لا سباق يجب إنهاؤه.
ابدأ ببطء
إنا ضحية لهذا المفهوم الذي جعل الحياة سباقًا شاقًا نركض فيه بكل جهد. ولكنّني اكتشفت أنّ الحياة ليست هكذا، ويمكن تغييرها تدريجيًا، وماهية يومك تتعلّق بالطريقة التي تبدأها به كل صباح. عندما أستيقظ أشعر بهوس حقيقي للدخول فورًا في جولة جديدة من جولات السباق، أنظر لجدولي مباشرة وأرى ما يمكن أن أبدأ به مباشرة وما يمكن أن أحضّر له…الخ، ولكن هذا لا يبعث في النفس سعادة ترضى بها حتى لو أنهيت يومك منتجًا.
ولكنني الآن أهدّئ هذا الشعور بأن أبدأ ببطء.
• بعض التمارين الرياضيّة الخفيفة (قرفصاء، جري في المكان…)
• تأمُّل الطبيعة (أشجار وطيور، شاطئ بحر، جبل…)
• قراءة بعض المقالات والأخبار، لتبقى على إطلاع بما يجري حولك.
• فطور خفيف وكوب شاي ساخن مع أغنية هادئة لفيروز.
• الصلاة والدعاء.
أن تبدأ ببطء وهدوء لا يتعلق بما تقوم به، ولكن الفكرة أن تبدأ يومك بطريقة تشعر فيها بسلام وهدوء داخليّ، بالصبر، تلزمك بابتسامة جميلة عبر اليوم. ولكن لا تجعل تلك البداية أمرًا معقدًا يأخذ من تفكيرك وهمّك. فعندما تبدأ ببطء، ستكون بطبيعتك منتجًا أكثر وتشعر حقًا بنعمة هذه الحياة الجميلة.
كيف تبدأ ببطء
• اكتب قائمة بعدّة نشاطات أو هوايات تحبّها وتستمتع بها.
• اختر النشاطات التي تجعلك إيجابيًّا، بنّاءً وصحيًّا.
• جرب واحدة في كل صباح.
• اذهب للنوم باكرًا، واستيقظ باكرًا جدًا حتى تحقق أفضل وقت وطاقة لتعيش تلك اللحظة.
• ركّز على الصبر والهدوء عندما تبدأ ببطء كل يوم.
عندما نبذل مجهودًا بسيطًا كي «نبدأ بهدوء» كل صباح، نتذكر كيف نكرّس أنفسنا للرحلة الجميلة التي نعيشها، ليس السباق الذي نجاهد لنصل شريط نهايته.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :