نحو ثورة اجتماعية شاملة
هل سنثور على الزَبد؟
حنين النقري – دوما
غيّرت الثورة في طريقة نظرنا لكلّ ما حولنا، ولكل من حولنا، فكم من صديق أو خِلّ أفقدنا إياه موقف غير مشرّف، أو تواطؤ أو علاقة منفعة تربطه بالنظام، وكم من صداقات عميقة جديدة، أكسبتنا إياها المظاهرات، ولحظات الهروب واللجوء لمنازل لا ندري أصحابها، وأيام الحصار ومواقع الثورة على الانترنت..
كم من أشخاص كانوا في أعيننا عظامًا، فغدونا نتحرّج من ذكر أسمائهم أو تبيان صلتنا بهم، بل نحرق ماضيهم وكتبهم بلهيب ثورتنا!
وكم من أناس بسطاء عاديين، كنا نمر بهم لا نلقي لهم بالًا، صدّرتهم تضحياتهم وجعلتهم كلماتهم العميقة في عيوننا أبطالًا، نفخر إن كنّا على صلة أو معرفة بهم يومًا!
يبدو ذلك جميلًا، وطبيعيًا للغاية أيضًا، أن تفخر وتحب من يؤازر قضيتك ويضحّي لأجلها، يشاطرك الدمعة والضحكة، وأن تنفر ممن يشجّع الظلم ويحيّي السفّاح المحتلّ.
لكن، هل ينبهنا هذا لأمرٍ ما؟؟
هل يلفت نظرنا للمعايير التي كنا نقيّم الناس على أساسها وننظر إليهم من خلالها؟
وهل ستكون معاييرنا بالاختيار على ما كانت عليه قبل الثورة؟
هل أبقى المال لصاحبه من هيبة أو عزّة في عيون من حوله، إن كان موقفه مخزيًا ، يخذل الحقّ؟
هل بقي ذوو النسب الرفيع، والجاه العظيم في عيون الناس عظامًا ووجهاء، أم أنّ مواقفهم من الثورة والنظام محّصتهم؟
الشهداء، كم أبرزوا أسماء عائلات كانت مغمورة في مناطقها، فلمع بريقها بتضحيات مذهلة مشرّفة، وكم غابت عن الشهادة عائلات الصدارة والعزّ «والأصل»..
كم صنعت الثورة عزًّا لمن لا عزّ له، وكم غاب وخبا كل بريق مزيف فيها..
• هل ستكون معاييرك، أيها الطالب المقبل على اختيار تخصّصك الجامعي، للفرع ذي المكانة الاجتماعية الأعلى، المردود المالي الأكبر، الترتيب الأعلى في المفاضلات، أم ستتجه لما يلبي طموحك وشغفك بعد أن رأيت الفرق في عطاء من يبدع بما يحب ويتقن وبين غيره، عند الحاجة لكل منهما؟
• هل ستكون معاييرك، أيها الشاب/ة المقبل على الزواج قائمة على أساس؛ الشكل: الذي ما حسّن من ملامح خائن في عيوننا؟، المال: الذي ضنّ به صاحبه عن خدمة الثورة والبلد؟، الجاه: الذي استخدمه صاحبه بكل قوته ليمنع خروج المظاهرات من مسجد الحي؟، العلم: الذي حرّم علماؤه الثورة على المنابر خائفين أو مستترين خلف نصوص حرّفوها عن مواضعها؟
أم أن اختيارك سيكون وفق قيم ومثل حقيقية تؤمن بها وترتضيها، وتريد بناء أسرتك على أساسها، تربية أبنائك من خلالها، ليعيش ذاك الجيل القادم بظروف تربوية قائمة على الوعي والفهم، لا ذكرياتنا عن تجارب أهلنا في «تربيتنا»؟
• هل ستكون الأسس التي ندير بها بيوتنا قائمة على التسلّط والظلم، الصراخ والسباب، الويل والثبور واستخدام جائر لمفهوم رضا الوالدين؟ أم أننا سنسمح بالحريات التي ندعو لها؟، نتفهّم الرأي الآخر؟ ونسمح للاختلافات الواعية أن تجتمع في نقاش راق؟ هل سنشيع جو الألفة والمحبة والمؤاخاة الذي عمّ أرجاء سوريا كاملة ..في بيوتنا أولًا؟
هي هكذا، ثورة كرامة وحريّة، بدأت من على جدران المدارس، سطرتها تضحيات روت بطهرها تراب بلدنا، لكنها لن تكون ثورة ما لم تجعلنا نثور على ذواتنا، على قيم اجتماعية هشّة، بان وهنها وزيفها أمام أول ريح عصفت، فتلاشت أمام أعيننا كالزبد تمامًا!
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :