ثلاث هزائم كبرى في سوريا

  • 2017/03/14
  • 11:50 ص
عمر قدور

عمر قدور

عمر قدور – المدن

نتهي السنة السادسة على اندلاع الثورة السورية محملة بالهزائم لا غير، فالنظام الذي يروّج لانتصاراته هو عملياً أول الخاسرين. لقد خسر منذ اضطر إلى توسل التدخل الخارجي بعد أشهر قليلة من انطلاق الثورة، ثم عندما لم يعد التدخل الخارجي متوقفاً على طلبه، وأخيراً عندما تكشف للجميع أن قراراته الكبرى تُتخذ في طهران وموسكو. ثمن بقاء بشار وزمرته حان وقت دفعه بامتيازات تحصل عليها إيران وروسيا في مختلف القطاعات الاقتصادية أو الاستراتيجية، فضلاً عن ذلك الثمن الباهظ من دماء مؤيديه، لقاء ما لاقوه وسيلاقونه مستقبلاً بذريعة حمايتهم من الإرهاب، وهو استحقاق لم تظهر ملامحه بعد، بخاصة الآثار المديدة له سواء على صعيد عدد الضحايا والإعاقات أو على صعيد الإفقار الشديد.

المشروع الإسلامي أيضاً خسر خسارة باهظة في سوريا، من كان يتوقع غير ذلك؟ وربما يكون صاحب الخسارة الأكبر، لأنه واقع تحت الاستهداف الدولي، ولا فرصة لديه للتملص من مآل أقل ما يمكن أن يوصف به هو “المذبحة الكبرى”. ولقد أثبت أصحاب هذا المشروع، بمختلف تبايناتهم الفكرية، قصر نظرهم السياسي، وظنوا أن الفراغ المؤقت في سوريا فرصة للتكسب، دون قراءة جيوسياسية واقعية للإرادة الدولية التي سمحت بتمددهم قبل الانقضاض عليهم. في ما عدا العامل الخارجي، كان لسيطرة تنظيمات إسلامية في العديد من المناطق السورية أن تظهر اليوتوبيا الإسلامية على حقيقتها المفارقة للعصر. ذلك لا ينطبق فقط على تنظيم داعش، وإنما على تنظيمات أخرى من القاعدة وغيرها. جميع التنظيمات الإسلامية وهيئاتها الشرعية على الإطلاق قدمت نموذجاً منفّراً عن الإسلام، لا يتحلى بالواقعية والتسامح مع الآخر، فوق أنه نموذج مناقض تماماً لدولة الحريات والديموقراطية التي انطلقت الثورة من أجلها.

لقد كان شعار “الأسد إلى الأبد” نوعاً من يوتوبيا الاستبداد أيضاً، وعلى رغم استقرار حكم عائلة الأسد لأربعة عقود، دون احتساب المواجهة من الإخوان في مطلع الثمانينات، فقد ثبت أن مطلق الاستبداد لا بد أن يصل إلى ما وصل إليه مع الثورة وانعكاساتها. هذه التجربة لم تُرَ جيداً من قبل الإسلاميين، وليس من المحتمل أنهم في سبيلهم إلى الاستفادة منها في المدى المنظور طالما أنهم لن يمتلكوا الجرأة في الفصل أولاً ما بين الإسلاميين والمسلمين، وعدم اعتبار المسلمين إسلاميين سياسياً بالضرورة، أو عدم اعتبارهم إسلاميين ضالين ينبغي إصلاحهم إقناعاً أو عنوة.

لا يفيد في هذا المقام التفريق بين إسلاميين متطرفين ومعتدلين، لأن المعتدلين خلال سنوات لم يبادروا من تلقاء أنفسهم إلى مواجهة المتطرفين، بل اتسمت مواقفهم غالباً بالمهادنة وصولاً إلى التحالف معهم. ويمكن القول بأن ما يسمى بالمعتدلين قد ساهموا إلى حد كبير بتمكين المتطرفين من السيطرة على النحو الذي صار واضحاً في آخر سنتين، ولولا تلك المساهمة لربما اختلف الوضع جذرياً عما آل إليه. طوال الوقت كانت هناك عصبوية إسلامية تفضّل تقديم تنازلات كبرى لإسلاميين لا يملكون مشروعاً سياسياً واقعياً على تقديمها لمشروع وطني، هذه العصبوية ربما لا يقابلها سوى بعض العلمانيين الذين يفضّلون تقديم تنازلات كبرى للنظام على تقديمها لمشروع وطني.

قيم الثورة، الآن بعد ست سنوات، تبدو كأنها أيضاً نوع من اليوتوبيا المنفصلة عن الواقع، ولا يحتاج أحد قليلاً من الشجاعة ليعترف بهزيمة الثورة، على نحو لم يكن متخيلاً في أسوأ الكوابيس. هزيمة مشروعي الاستبداد والإسلاميين ينبغي ألا تغطي على هذا الواقع، الثورة لم تهزم بسبب الخسائر العسكرية الأخيرة فحسب، وإنما هزمت بمجمل إدارتها لشؤون المعركة مع النظام. حديثنا عن العوامل الخارجية التي لم تكن لصالحها ينبغي ألا يحجب ركاكة الأداء السياسي والعسكري طوال السنوات الست الماضية، حيث يصعب الانتصار في معركة تخوضها جبهات على قدر عالٍ من التفكك، يُضاف إليه قدر متزايد من الارتهان لأجندات دولية أو إقليمية.

لم تكن هناك في أي وقت جبهة متماسكة ضد النظام، واستطاع الأخير بمساعدة حلفائه التعامل مع كل جبهة منفردة، الأمر الذي سهل عليه استعادة العديد من المناطق المهمة، بدءاً بأكثرها انتماء إلى قيم الثورة. فيما عدا هذا التفكك، الذي في أحد جوانبه يكشف عن أمراض مستفحلة مثل المناطقية والتسابق على الزعامة، هناك أيضاً الارتهان الكلي لما نُظر إليها بداية كحرب تحرير شاملة. المستوى السياسي للثورة، بدءاً من العام الثاني، صار مرتهناً للميدان وهذا ما أدى إلى ضعف وتراجع كبير فيه. ويجوز القول بأن التجربة السياسية كانت تتراجع باضطراد، أيضاً تحت اليأس من تخاذل المجتمع الدولي عن حماية السوريين، ولم تكن هناك تجربة سابقة تسندها، ولم تستند إلى تصور جيد للتعامل مع تراجع الاهتمام الدولي، أو مع الخسارات المحتملة، سواء بتواطؤ دولي أو بدونه.

رغم ذلك يمكن التجرؤ والقول بعدم وجود أفق عقلاني للحل في سوريا سوى ما طالبت به الثورة منذ بدايتها، مع أنه يبدو بعيداً جداً عن المتناول الآن. سوريا الآن في مرحلة ما بعد النظام، وما بعد الإسلاميين، وهي أيضاً في مرحلة ما بعد الثورة بمعنى التجربة المريرة التي تشارف على نهايتها. لكن كل ما انكشف طوال السنوات الست الماضية يدعم واحداً من احتمالين، تفكك سوريا، وقد يكون التفسخ التدريجي والوقوع تحت وصايات عديدة في انتظار التفكك النهائي، أو بقاؤها دولة على أسس مغايرة تماماً لما كانت عليه، حيث لن يمكن الحفاظ عليها من دون تحول ديموقراطي يضمن إستدامة السلم الأهلي.

ربما تتضاءل احتمالات تحقق الخيار الثاني، بفعل عوامل القهر والإحباط. غير أن المستقبل “بالمعنى العميق للكلمة” لا يأتي إلا عندما تترسخ قناعات المنادين بالحرية، وأيضاً عندما ينقص عدد الخائفين منها.

مقالات متعلقة

  1. في هجاء ثورة مهزومة
  2. غضب عابر من أجل إدلب
  3. لماذا لا يستسلمون للأسد؟
  4. منتخب السلة السوري.. ثماني هزائم في عشر مباريات

صحافة عربية

المزيد من صحافة عربية