عززت واشنطن وجود 600 عنصر من قواتها الخاصة، المتمركزين في “قاعدة توماس” القريبة من عين العرب – كوباني شمال شرق سوريا، بـ400 عنصر من المارينز المسلّحين بمدافع هاوتزر “ام 700” عيار 155 ميللمتر، القادرة على ضرب أهداف على بعد 40 كيلومتراً. وأقام المارينز قاعدة على مقربة من مدينة الرقة، العاصمة المزعومة لتنظيم “الدولة الاسلامية”. وإلى “القوات الخاصة” والمارينز، قامت “القيادة الوسطى” للجيش الأميركي، المكلفة إدارة العمليات العسكرية في الشرق الاوسط وإيران، من دون تركيا وشمال إفريقيا، بنشر 200 عنصر من “الفرقة 75” في الجيش الأميركي في مدينة منبج، في تطور لافت يعكس خروج أميركا عن سياستها الحديدية القاضية بعدم التوغل داخل الاراضي السورية غرب نهر الفرات. وتبعد منبج قرابة 30 كيلومتراً غرب الفرات.
وفضلا عن تعزيزاتها في سوريا، أرسلت واشنطن ألف جندي إلى الكويت “لإعطاء خيارات” لقادتها الميدانيين المقاتلين في سوريا والعراق. ويبلغ عدد “المستشارين” الأميركيين العسكريين في العراق حوالي 5500.
التعزيزات العسكرية الأميركية في الشرق الاوسط تجري غالباً بعيداً عن أنظار الأميركيين. وحدهم الخبراء هم من يتابعون عملية تعزيز القوات الأميركية في سوريا والعراق. وفي هذا السياق، كتب أحد الخبراء الأميركيين أن “جنودنا صاروا في سوريا، ولكن لا أحد منا يعرف ما هدف إرسالهم إلى هناك أو سبب وجودهم”.
وعندما سأل إعلاميون الناطق باسم البيت الأبيض شون سبايسر عن مهمة الجنود الأميركيين في سوريا، أجاب المسؤول بالقول إنهم ينتشرون بصفة “مستشارين”، وهو ما دفع الكاتب اليكس ليمونز، من موقع “ذي انترسبت”، إلى التهكم على إجابة سبايسر بالقول إن “المستشارين الأميركيين ذهبوا إلى سوريا وأخذوا معهم مدافعهم”.
المشاركة الأميركية في سوريا تحصل بصمت، في وقت تتمسك إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، كما إدارة أوباما من قبلها، بأن لا حاجة للتوجه إلى الكونغرس لتحصيل مصادقته على تمويل حرب جديدة في سوريا. ومثل أوباما، يختبىء ترامب خلف قانون “الحرب ضد الارهاب” الصادر في العام 2001، قبل عشر سنوات من ظهور “داعش”، لتبرير الحرب على التنظيم المذكور.
لم تعد مهمة الجنود الأميركيين في العراق وسوريا “التدريب والمساعدة وإسداء النصح”، حسبما أعلنت إدارة الرئيس السابق إدارة أوباما يوم أرسلت دفعة تلو الاخرى الى العراق، ثم القوات الخاصة الى سوريا. وتحت ضغط الجنرالات الاميركيين، تراجع أوباما عن اصراره على تقييد وجود “المستشارين” الأميركيين بالقواعد العسكرية في العراق، لينخرطوا في الصفوف الخلفية للقتال ضد “داعش”، وليساهموا في تزويد مقاتلات “التحالف الدولي” بأهداف “داعش” لقصفها.
مع إدارة ترامب، الذي أقسم مراراً، وكذباً، على أنه كان من معارضي حرب العراق، يبدو أن دور المستشارين تطور أكثر، فأصبحوا قادة ميدانيين في “قاعدة توماس”، وفوج مدفعية قرب الرقة، وفوج مؤلل في منبج. في أقل من سنة، أقامت واشنطن بهدوء ثلاث قواعد شمال سوريا، فيما أمضت موسكو خمس سنوات وهي تعلن أنها تنوي إقامة قواعد في طرطوس وحميميم، وربما تدمر.
أعداد المارينز في سوريا سترتفع، وقد تصل إلى خمسة آلاف، خصوصاً إذا تعثرت معركة تحرير الرقة، التي يتوقع أن يبدأ حصارها هذا الأسبوع.
للعرب والسوريين ممن يستبشرون خيراً كلّما سمعوا أنباء تفيد عن انتشار عسكري أميركي في سوريا: لن تشتبك القوات الأميركية مع قوات الرئيس السوري بشار الأسد والميليشيات المتحالفة معه والموالية لإيران، على الرغم من صراخ المسؤولين الاميركيين المتواصل حول ضرورة القضاء على “المليشيات الإرهابية” التي ترعاها ايران.
أميركا في سوريا لطرد “داعش” وتسليم الأكراد العاملين بإمرتها الأراضي التي تستعيدها من التنظيم. ستتحول الاراضي السورية شرق الفرات إلى حكم كردي يمثل الحصة الأميركية في سوريا، التي تم تقاسم النفوذ فيها بين أميركا وروسيا وتركيا وإيران وإسرائيل. أما الأسد، فسيواصل إعطاء المقابلات التي يعلن فيها أن “الجيش العربي السوري” سيستعيد السيادة على كل الأراضي السورية، أو على الأقل “سيحتفظ” الجيش السوري بهذا “الحق”، تماماً كما احتفظ بحق تحرير الجولان الذي تحتله اسرائيل منذ 34 عاماً.