“وثيقة العهد” تثير الضجة في درعا وتمهّد لمستقبلها

  • 2017/03/12
  • 12:50 م
مقاتل في المعارضة السورية في درعا (إنترنت)

مقاتل في المعارضة السورية في درعا (إنترنت)

درعاعنب بلدي

وسط صخب المعارك ضد قوات الأسد في مدينة درعا، وضدجيش خالد بن الوليد، المتهم من المعارضة بمبايعة تنظيمالدولة الإسلاميةفي ريف درعا الغربي، ومع حالة الشد والجذب الذي تشهده مفاوضات أستانة وجنيف، تفاجأت الأوساط الشعبية في درعا بـمشروع وثيقةتحمل اسموثيقة العهدانتشرت بداية على شبكات التواصل الاجتماعي، ثم بدأت تدخل المجالس والنقاشات الشعبية بسرعة.

تحمل الوثيقة ضمن صفحاتها نقاطًا وصفها كثيرٌ من المتابعين بأنها “مثيرة للجدل”، في الوقت الذي ارتبطت فيه بأسماء عدد من الشخصيات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وحتى العسكرية في درعا، حاول بعضهم التنصل منها في وقت لاحق، بينما اجتهدت شخصيات أخرى للدفاع عنها، ما يعني أن هذه الوثيقة ليست مجرد “حبر على ورق”، وما كانت لتخرج إلى النور إلا بعد اجتماعات ونقاشات طويلة، ليطرح ظهورها السؤال: هل هي مبادرة حقيقية أم محاولة لجسّ النبض؟

لا تختلف عن دستور أي بلد

الناشط الحقوقي موسى العمار، أوضح في حديثه إلى عنب بلدي، أن الوثيقة لا تختلف من حيث الصياغة والبنود عن الدستور العام لأي دولة، “تحتوي على ثلاثين صفحة، تضمنت تسعة فصول، و50 مادة، ركزت في أهدافها ومقدمتها على وحدة سوريا أرضًا وشعبًا، وعلى تحقيق أهداف الثورة السورية، كما أكدت على إقامة العدل، وإحقاق الحقوق، وضمان الحريات العامة”.

وأكّد العمار أن هذه الإعلانات “لازمة لأي مشروع دستوري”، ولكن الوثيقة انتقلت بعد ذلك إلى الحديث عن محافظة درعا وإدارتها المحلية وهيئاتها التشريعية والتنفيذية، “هنا تكمن خطورة هذه الوثيقة، فهي ترسخ لمفهوم التقسيم والحكم اللامركزي”، بحسب الحقوقي، الذي اعتبر أنّ القائمين على الوثيقة يريدون من محافظة درعا أخذ الخطوة الأولى في تكريس التقسيم غير المعلن حتى الآن.

وأضاف “التقسيم أصبح واقعًا على الأرض، مع رسم القوى الدولية والإقليمية لحدود سيطرة بين الأطراف المسلحة، وانحياز كل طرف نحو حليفه على الأرض، لكننا لم نتوقع أن تأتي الخطوة الأولى من محافظة درعا”.

وعلى الرغم من أن الحديث عن خطوات تقسيم حقيقية قد يكون مبكرًا، فما تم طرحه ليس أكثر من أوراق، قد لا تجد طريقها لأرض الواقع أبدًا، أردف الحقوقي، “يجب أن تثير هذه الوثيقة القلق على أقل تقدير، فهناك أطراف تسعى لتكريس التقسيم، والدفع بمحافظة درعا لطرح هذا الأمر وأخذ زمام المبادرة فيه”.

هل تنجح المبادرة؟

وحول فرص نجاح المبادرة، أوضح العمار أنها “وُلدت أو طُرحت أساسًا ميتة”، موضحًا “الواقع العسكري والاقتصادي لا يساعدان على نجاحها، فضلًا عن الرفض المجتمعي لها، حيث تسيطر قوات الأسد على العامود الفقري لدرعا، وتفرض سياسة فصل الأرياف عن بعضها، كما أن الأردن ترفض التعامل مع فصائل وهيئات الثورة في درعا، من الناحيتين الاقتصادية والسياسية، وهي بذلك تحرم المحافظة من رئة التنفس الخارجية والبوابة الاقتصادية المهمة للتجارة مع الخارج”.

ومن وجهة نظر العمار فـ “محافظة درعا بحاجة ماسة إلى جيرانها، فهي لا تمتلك من المقومات الاقتصادية إلا الزراعة، والجيران لا يبدو أحدٌ منهم متشجع لفكرة اللامركزية”، واعتبر العمار أن القوة العسكرية لفصائل درعا غير قادرة على حماية هكذا مشروع، “مازالت قوات الأسد تسيطر على مواقع عسكرية مهمة جدًا، كما أن الأسابيع الأخيرة أثبتت عجز الفصائل على مستوى استقلالية القرار والقدرة العسكرية، حيث فشلت في كسر الحصار عن بلدة محجة، على الرغم من ابتعادها لمسافة قليلة جدًا عنها”، ليطرح العمار السؤال، “هل تستطيع هذه القوة حماية المحافظة مستقبلًا في ظل هكذا مشروع؟”.

للحفاظ على المكتسبات الحالية

على الجانب الآخر، وجد المدرّس مظهر الحريري أن هذه الوثيقة هي “خطوة للحفاظ على المكتسبات الحالية”، واعتبر الحريري أن “سوريا لم تعد موحدة، وهذه حقيقة لا يختلف عليها أحد، ودرعا بحاجة لمبادرة تنقذها من الوقوع في الاحتلال المباشر أو غير المباشر كما يحصل الآن في حلب، بالتدخل المباشر للقوى الخارجية، ونشرها للقواعد العسكرية، كما فعلت أمريكا وروسيا وتركيا… درعا على أقل تقدير لم تصل لهذا المنزلق حتى الآن”.

“الحديث عن وحدة الثورة كلام عاطفي بعيد عن الواقع”، بحسب الحريري، إذ أظهرت الأشهر الأخيرة أن ما يحصل في إدلب مثلًا لم يعد يلقي بظلاله على درعا، بل إن التهجير الذي تعرض له أهالي ريف دمشق، المحافظة الملاصقة لدرعا، لم ينعكس عليها بشكل كبير. وهنا اعتبر الحريري أنه “يجب علينا أن نعترف أن النظام بدأ يستعيد قوته، بفضل الدعم الدولي الذي يتلقاه عسكريًا وسياسيًا، لذلك علينا الحفاظ على ما اكتسبته الثورة في وقت سابق، عبر تقديم التنازلات، وربما القبول بمشاريع يجدها البعض مشبوهة، لكنها ستحافظ على هذه المكتسبات، قبل أن نخسرها جميعها”.

على كل حال، فالمواقف الشعبية لم تتأخر كثيرًا، فمجلس شورى أبناء مدينة درعا أصدر بيانًا، أعلن فيه عن “رفضه التام والمطلق” لهذه الوثيقة، معتبرًا أنها “مشروع دخيل وفاسد، غايته الفتنة وشق الصف والإتجار بدماء الشهداء وآلام المعتقلين والجرحى”، داعيًا أن تكون محافظة درعا “المنطلق لمشروع الخلاص الجامع لسوريا”.

وبدورها أصدرت نقابة المحامين الأحرار في درعا بيانًا عبرت فيه عن “إدانتها وشجبها وتبرؤها من كل وثيقة من شأنها تكريس أي شكل من أشكال التقسيم والانفصال”، وأكدت النقابة أن “محافظة درعا جزء لا يتجزأ من الكيان السوري ووحدة ترابه وشعبه”.

يرى بعض المراقبين أن هذه الوثيقة تضع الحاضنة الشعبية والأهلية في درعا موضع الاختبار، فبعد أن استطاعت الدول الإقليمية إظهار قدرة كبيرة على التحكم بقرارات الفصائل العسكرية في الجنوب السوري، إلا ما ندر منها، فإنها اليوم تريد اختبار قدرة تحكمها بالقرارات السياسية الداخلية، بالإضافة لقدرتها على ضبط ردود فعل الحاضنة الشعبية، التي تبدو في معظمها رافضة لأي مشروع تقسيمي، هدفه إضعاف المحافظة وعزلها عن محيطها أكثر فأكثر، ويبدو أن قدرة هذه الدول على تمرير “وثيقة العهد” بشكلها الحالي، أو بعد تعديله، سيُظهر حجم قدرتها وسطوتها المستقبلية على المحافظة الجنوبية.

مقالات متعلقة

مجتمع

المزيد من مجتمع