عنب بلدي – خاص
فجرّ مقالٌ للكاتب شوكت غرز الدين، في مجلة “طلعنا عالحرية” السورية، ردود فعلٍ واسعةٍ بين فصائل المعارضة وهيئات القضاء ومواطنين سوريين اعترضوا على نشر المقال، بينما تضامن ناشطون مع كوادر المجلة واعترضوا على تهديدهم.
وانتهت تداعيات القضية إلى استقالات من المجلة وحظرها في أبرز معاقل المعارضة السورية، بعد إغلاق مكتبها في الغوطة الشرقية، إلى جانب مكاتب لمنظمات مدنية أخرى اتهمتها الفصائل بالتبيعة أو دعم المجلة.
وعلمت عنب بلدي من مصادرها في الغوطة الشرقية أن أسامة نصار، مدير تحرير المجلة المستقيل على خلفية المقال، حضر جلسةً في مركز النيابة في مدينة دوما، التابعة فعليًا لـ “جيش الإسلام”، السبت 11 آذار.
وانتهت الجلسة بقرار قضائي مكتوب، ينص على إعادة فتح المكاتب واستلامها من قبل مديرية المنطقة.
وكان المقال المنشور في العدد 86 الصادر في 21 شباط الماضي، احتوى على “ألفاظ مسيئة للذات الإلهية”، وسعت المجلة لاحتواء الأزمة بعد انتقادات أخذت منحى تصاعديًا، فحذفت المقال من موقعها الإلكتروني، وأصدرت توضيحًا اعتذرت من خلاله لمتابعيها.
احتجاجات ضد المجلة
اعتذار المجلة لم يكن كافيًا من وجهة نظر فصائل مقاتلة، ومواطنين سوريين داخل مناطق المعارضة، وخرجت مظاهرة في الغوطة الشرقية أمام مقرها، تستنكر ما جاء في المقال، رفعت لافتات تنتقد الحرية التي “تمس الذات الإلهية”.
وأصدرت نيابة مدينة دوما قرارًا يقضي بإغلاق مكاتب “طلعنا عالحرية”، وشبكة “حراس الطفولة”، ومجلة “طيارة ورق” التابعة للشبكة، ومكتب التنمية ومركز توثيق الانتهاكات، ومكتب منظمة “اليوم التالي”.
كما أصدرت كل من محكمة “دار العدل في حوران” العاملة في المنطقة الجنوبية، ومجلس “القضاء الأعلى” في الغوطة الشرقية، ومجلس “القضاء الأعلى” في حلب، قرارًا يضع نهاية لنشاط مجلة “طلعنا عالحرية” في سوريا.
ونص القرار، الذي حصلت عنب بلدي على نسخة منه، على “إغلاق كافة المقرات العائدة إلى المجلة وتشميعها بالشمع الأحمر، ومنع المجلة أو من يمثلها شخصيًا بالنشاط داخل الأراضي السورية، وتوقيف القائمين على المجلة أمام المحاكم التابعة لنا”.
تهديدات وحظر
من جهتها قررت إدارة معبر “باب الهوى” الحدودي، والتابعة لـ “حركة أحرار الشام”، منع دخول المجلة إلى سوريا من المعبر، ورفع دعوى قضائية ضد “طلعنا عالحرية”، والكاتب شوكت غرز الدين، دون توضيح الجهة القضائية التي سترفع إليها الدعوة.
وكانت النيابة في دوما أصدرت قرارًا باستدعاء مدير تحرير “طلعنا عالحرية” السابق، أسامة نصار، في إطار السعي لإخضاعه والمجلة للقضاء.
ووضع مجهولون في دوما صورة نصار، وزوجته الناشطة ميمونة العمار، وصحفيين في المجلة في منشورات ألصقت على الجدران، احتوت تهديدات مبطنة ومطالب بطردهم من الغوطة الشرقية.
كما أصدر المجلس الإسلامي السوري بيانًا، في 8 آذار، استنكر فيه المقال لأنه “كفر صراح واعتداء على الذات الإلهية المقدسة، وهذا يخالف عقيدة الأمة الإسلامية بل وعقائد الأديان والمذاهب الأخرى”.
واعتقد أن “أهم سبب أوصلنا إلى ما نحن فيه تطاول البعض على عقائد ومقدسات الأمة بتواطؤ من الدولة وجهات مشبوهة وسكوت الكثيرين على ذلك”.
واعتبر أن “ما نشر من اعتذار من رئيسة التحرير يدل على أنها كانت على علم مسبق بما نشر، لا سيما قد اعترض بعض الغيورين على ذلك وحذروا من نشره فلم يؤبه لهم، مما يدل على نية مبيتة وسبق إصرار، وينفي العذر بعدم العلم”.
وطالب “المجلس بمحاسبة هؤلاء وانسحاب المؤمنين الغيورين من التعامل مع هذه المجلة أو الكتابة فيها أو دعمها بأي شكل من أشكال الدعم”.
استقالات “الصف الأول“
مدير تحرير الجريدة، أسامة نصار، أوضح في بيان اعتذار المجلة اعتراضه أساسًا على نشر المقال، وقال “كمسلم، مؤمن بالله الواحد القادر، أعتقد أن لا أحد ولا شيء في العالم باستطاعته أن يسيء لله تعالى، وإن ظن أنه يفعل… وأشعر أن على الداعين إلى الله أن يطمئنوا طالما كانت الطروحات المضادّة زبدًا على هذا القدر أو ذاك من الرداءة”.
كما أعلنت رئيسة التحرير، ليلى الصفدي، الخميس 9 آذار، استقالتها في منشور عبر صفحتها الشخصية في “فيس بوك”، قائلة “أعلن استقالتي من رئاسة تحرير مجلة طلعنا عالحرية، كخطوة أخيرة لا أملك غيرها، متمنية نزع الفتيل المتصاعد في الداخل السوري، وكل السلامة لكادر المجلة أينما كان، متمنية لهم التوفيق في مشوارهم القادم”.
تضامن مع أسامة نصار
ناشطون وكتاب سوريون تضامنوا مع كادر المجلة ومدير تحريرها أسامة نصار، وطالبوا الفصائل والجهات القضائية بوقف أي قرارٍ من شأنه إيذاء العاملين في المجلة، أو يفضي إلى إيقافها.
مثقفون من مدينة داريا أصدروا بيانًا تضامنيًا مع نصار، وأكدوا أن “ما جاء في المقال أمر يستنكره قلب كل مسلم، لكن التعامل مع أي منكر ينبغي أن ينضبط بضوابط الشرع وألا نجعل عواطفنا المستثارة تقودنا إلى ما لا يرضي الله ونحن ننوي عكس ذلك، لذلك ندعو إخوتنا في الغوطة الشرقية إلى التعقل في ردود الأفعال وترك الأمر للقضاء الذي يحكم وفق الأدلة والبراهين الثابتة”.
وأكد البيان أن نصار عانى مرارة الظلم من قبل نظام الأسد عام 2003 لقيامه مع المثقفين بأعمال توعوية واجتماعية ضد الظلم والفساد.
وأكدوا أن الخطأ الذي ترتكبه مؤسسة يقع على عاتق المؤسسة نفسها، وعلى عاتق الموظفين الذين ارتكبوا الخطأ.
وشددوا أنه لا يجوز قانونًا ولا شرعًا محاسبة كل موظفي المؤسسة، ومعاقبة موظفين رفضوا الخطأ قبل حدوثه واعترضوا عليه، كما فعل أسامة نصار، عبر نشره موقفه الرافض للمقال وإعلان استقالته من المجلة.