منبج ومعرض الدبابات العالمي

  • 2017/03/12
  • 12:58 ص

إبراهيم العلوش

تصل الدبابات من كل أطراف العالم إلى منبج، دبابات من أمريكا وروسيا وتركيا وإيران، يركبها عرب وأكراد وأجانب، ويسوقون سيولًا من اللاجئين الفقراء أمامهم، في مشاهد تشبه مشاهد يوم القيامة، وتتفوق على مشاهد الأكشن السينمائية بقسوتها وبمعاناة الناس فيها.

دبابات تبحث عن البحتري، وعمر أبو ريشة، وأبو فراس الحمداني، من أجل تغيير لغتهم، وتحويلهم إلى مشاريع “قسد” الانفصالية، وليكتبوا قصائد تمتدح عبد الله أوجلان، وليرفعوا صوره التي تشبه تصاميمها وابتساماتها صور بشار الأسد وأبيه الذي كان حليف أوجلان المحبب.

ولأن التاريخ يعيد نفسه بتحالف الأوجلانيين مع الأسد، فإن قوات “قسد” قامت بتسليم أكثر من 15 قرية لقوات الأسد غرب منبج، وذلك بالتزامن مع فتح داعش طريق مدينة تادف لقوات النظام، وتمكينه من المشاركة بالتهجير والنزوح الذي أجاد أداءه بحرفية، فاقت حرفية الإسرائيليين منذ الأربعينيات من القرن الماضي.

طوال نصف قرن من حكم المافيا الأسدية، ظلت منبج مدينة تزداد فقرًا وإهمالًا واستفحلت فيها آفة الهجرة، إلى درجة أنك تحسب أن من كل اثنين من الشباب يوجد واحد مهاجر أو نازح أو يعمل خارج منبج، وامتلأت بهم مدينة بيروت بشكل خاص إلى درجة أنك تسمع النداءات في كراجات بيروت وهي تصيح على الركاب المنبجيين، أكثر مما تسمعها وهي تنادي على مسافري أي مدينة سورية أخرى، فهم عمال البناء، وعمال الزراعة، وعمال مختلف الأعمال الشاقة التي يأنف الآخرون من القيام بها، ورغم قسوة الأعمال التي يقومون بها، فإنك كنت تجدهم نائمين تحت جسر الكولا البيروتي، وفي الورشات، وفي أحسن الأحوال في الغرف المتناثرة على أطراف الضواحي اللبنانية.

واليوم تجتمع الدبابات العالمية لاستكمال تهجير أهالي منبج ومناطقها البالغ عددهم أكثر من 600 ألف إنسان، وتستطيع أن تشاهد الكثير من الفيديوهات التي تصور قوات الأسد وهي تقصف القرى والبلدات المنبجية، بعدما أشبعت داعش و”قسد” الأهالي قصفًا وترهيبًا وتهجيرًا.

ظل النظام أكثر من عشرين سنة يتاجر بأهل منبج، ويعدهم بأنه سيعلن منبج محافظة مستقلة عن حلب، ويؤمّن لها بعض الخدمات، ولم يف بوعوده الكاذبة إلا على الورق، مرة بحجة أن العماد الشهابي ربيب النظام، ورئيس أركانه المزمن، يريد مدينة الباب هي مركز المحافظة الجديدة، ومرة يتحجج بالخطر الكردي الذي كان يضخمه وينفخ في ناره ليرهب العرب به، وليحول الأكراد إلى أعداء، وقد صدّق جماعة “قسد” هذه الأكاذيب ووصموا كل عربي في الشمال السوري بأنه داعشي وهربجي، وما إلى ذلك من أدوات التلاعب وتأجيج الأحقاد بين العرب والأكراد.

وقد أصر النظام أن يلخص منبج وأهاليها بشخصية النائب البرلماني المزمن (ذياب الماشي)، الذي لم توفره أجهزة النظام نفسه، وحولته إلى نموذج سوري متخلف ليباهي النظام بنفسه وبحداثته أمام العالم، و ليقدم حافظ الأسد ديكًا مزركشًا يصيح فوق الخراب الذي ترعاه أجهزة التعذيب والقهر التي ينسجها في الأقبية.

صوّرت داعش في بداية ظهورها منبج كمركز لعصابات السرقة والنهب والتعفيش، التي انتشرت بالتوازي مع تعفيش الجيش للمناطق السورية التي يدخلها، وقدمت نفسها لأهالي المدن الأخرى كمخلّص من سطوة الخطف والاغتيال والتعفيش، ومارسته هي بحرفية ووحشية، لا تقارن إلا بوحشية النظام المخابراتي نفسه.

اليوم يتدفق أهالي منبج وريفها في الوديان وفي الطرقات البعيدة وتحت المطر والبرد القارس، وتتقاذفهم المخاوف من عودة داعش، ومن ممارسات “قسد”، ومن انتقامات النظام وميليشياته الطائفية وأجهزة مخابراته المدمنة على التعذيب، ومن المصير الذي يرسم في مكاتب الدول الكبرى، والذي يجهله الأهالي ويخشون من الانفصال عن الوطن السوري الأم الذي احتكره النظام وروسيا وإيران.

منبج ومعرض الدبابات العالمي الذي يتمشى في شوارعها وفي قراها، جعل ثلاثة رؤساء أركان لأكبر الدول يجتمعون من أجل تحديد مصيرها، وهم رؤساء أركان جيوش أمريكا وروسيا وتركيا، وطبعًا لا حضور للنظام ولا لدولة الممانعة الطائفية، إلا من خلف الستار.

فقراء منبج الذين ساهموا ببناء لبنان والأردن والسعودية يعاملون اليوم كقطعان سائبة، وليس كبشر لهم كرامتهم ولهم حقوقهم الإنسانية، فالنظام أجبرهم أن يهاجروا ليبنوا مدن الآخرين وليتركوا مدينتهم العريقة منذ أن كانت تدعى هيرابولس، وظلت أشبه بقرية نائية يحكمها البعث بتخريبه، ويقتصر حضورها الرسمي على شخصية ذياب الماشي، ولعل فيلم الراحل عمر أميرالاي (طوفان في بلاد البعث) يلخص حضور نظام البعث في هذه المنطقة وإصراره على السخرية من سكانها.

أهالي منبج استطاعوا أن يشقوا صفوف داعش، إذ عقد أبناؤها حلفًا بينهم لتخليص مدينتهم من التنظيم ومن الدمار، فانفصل أهل منبج عن دولة داعش، وفرّ مقاتلوها هاربين من المدينة، واليوم هل سيقاومون القوات الانفصالية، ويمنعون قيام دويلة الأقلية القومية، بعد أن اندحر النظام الحاكم بقوة الأقلية الطائفية؟

أهالي منبج المقهورون والمشردون، هل سيكونون هم أصحاب الرأي فيما يجري ببلدهم، وهل سيقفون على الحياد وهم يرون دبابات العالم، التي جاءت لاقتسام إرث دويلة البغدادي المنهزمة على كل الجبهات، وفرض دويلة الانفصال عن الوطن السوري؟ هل يتحول معرض منبج للدبابات حافزًا إلى بداية جديدة لعودة الروح الوطنية السورية ووقف العبث بمصير الشعب السوري… هل ستكون منبج نقطة الارتكاز لهزيمة الميليشيات الانفصالية المستقوية بالاحتلالات الغربية والشرقية؟

الثورة السورية ماتزال نارها مشتعلة، ولم يطفئها النظام ولا الإرهابيون، كما لن يطفئها الغزاة، ولا الخونة، مهما تعاظم غرورهم، فهل يعيد الانفصاليون حساباتهم، وهل سترحل دبابات المعرض إلى بلدانها، أم ستنتظر لتتحول إلى رماد؟

مقالات متعلقة

  1. غضب تركي
  2. مقتل الشيخ بشير الفيصل الهويدي في الرقة
  3. دبابات ومدافع.. تركيا تستمر بإرسال التعزيزات إلى الحدود مع سوريا
  4. "الجيش الوطني" يعزز جميع النقاط الفاصلة مع منبج

رأي

المزيد من رأي