تفاهمات لطباعة الفصل الأخير من “كابوس داعش”

  • 2017/03/16
  • 12:13 م
مقاتل من قوات سوريا الدييموقراطية في محيط مدينة الرقة_(AFP)

مقاتل من قوات سوريا الدييموقراطية في محيط مدينة الرقة_(AFP)

براء الطه

حمل التقدم الذي حققه الجيش في الشمال والوسط السوري، وعودة سيطرته إلى الضفة الغربية من نهر الفرات، لأول مرة منذ أربع سنوات، بحسب الأركان الروسية، العديد من الرسائل للوضع السوري الجديد. وخاصة بعد السكون الذي عمّ سائر الجبهات الداخلية في كل من دمشق وحلب الغربية وإدلب ودرعا، مع التأكيدات الدولية والإقليمية حول أهمية وقف إطلاق النار وتجديد الالتزام به، وتحديدًا من قبل الحكومة التركية، التي شددت على أهمية وقف إطلاق النار، باعتباره أحد أهم مخرجات الأستانة وذلك عبر قمة تركيا– روسيا.

تحركات النظام الحالية ستكون أكثر وضوحًا ودقةً، في ظل السكون شبه الكامل على مختلف الجبهات، ليستثنى من ذلك تنظم الدولة، الذي أصبح عداؤه “جامعًا” لمختلف الأطراف وحجة مقبولة للتنسيق المشترك بين أطراف النزاع السوري، المحلية والإقليمية والدولية.

في حين تفرض الجغرافيا نفسها على سير المعارك مرة جديدة، حيث يختلف الوضع في تدمر عن نظيره في ريف حلب الشرقي الذي يتقدم فيه الجيش بشكل متسارع وعينه على بلدة مسكنه ومدينة الطبقة.

فالبادية المترامية الأطراف، والممتدة من منطقة الضمير إلى العمق العراقي، يسيطر فيها التنظيم على مناطق تشكل عقدًا قتالية تتيح له المناورة والهجمات الخاطفة. لذلك يسعى النظام والقوات الرديفة، قبل التقدم بأي محور، إلى تعزيز مواقعه في تدمر بشكل يتيح له صد أي هجمات خاطفة يشنها التنظيم، بهدف ضرب الخطوط الخلفية للمحاور المتقدمة.

أما في الريف الحلبي الشرقي، فالتقدم بوتيرة منتظمة، وبالشكل الكلاسيكي، أتاح للنظام إعادة ترتيب الأوراق بشكل يكون فيه هو الرابح الأكبر لهذه العملية، فأهم المكاسب كانت السيطرة على محطة ضخ مياه بابري، ووصول الوحدات إلى ضفة الفرات، والسيطرة النارية على مطار “الجراح”، ليعتبر ساقطًا عسكريًا، رغم عمليات الكرّ والفرّ التي يتبعها التنظيم في المنطقة، ليضاف هذا المطار إلى مطار كويرس ويكون الدور المقبل على مطار الطبقة، ناهيك عن المكاسب السياسية التي بدأ النظام باستثمارها.

مدينتان بقيتا أمام وحدات الجيش ليكون الطريق باتجاه الطبقة سالكًا بسهولة، هما ديرحافر ومسكنة، وعملية السيطرة عليهما ستتسم بسهولة، وتعطي المجال لبدء تحريك محور خناصر باتجاه مفرق الرصافة، فيلتقي بذلك مع القوات المتقدمة باتجاه مسكنة-الطبقة.

أما المحور الآخر والذي سيتسم بالتعقيد، نظرًا لطبيعة المنطقة المراد السيطرة عليها، فهو محور أثريا- تدمر ليعزز لاحقًا سهولة التقدم باتجاه بلدة السخنة، والتي بدأ التمهيد الناري عليها لإخراج أي قوة للتنظيم يمكن أن تتحصن فيها.

كل ذلك يحتاج لعدد كبير بالقوات على الأرض، لذلك سيتم اللجوء إلى الجبهات الساكنة لسحب الفائض منها إلى معارك الداخل. محاور لابد من التركيز عليها من أجل التحضير للمعركة الكبرى في دير الزور المحاصرة، والتي بحكم الظروف أصبحت العاصمة الفعلية للتنظيم والمنطقة الأكثر أمانًا له بعد خسارته لأغلب مناطق سيطرته في العراق وسوريا.

لذا نستطيع القول إننا أمام المشاهد الأخيرة لفيلم الرعب الذي جرت أحداثه على أراضي أعرق بلدين في المنطقة سوريا والعراق، وتسبب بتهجير مئات الآلاف من السكان وتدمير البنية التاريخية والحضارية، وأعاد المنطقة قرونًا إلى الوراء، والذي سرّع من مجريات نهايته عدة تفاهمات وخطوات دولية ومحلية كانت الأشهر الماضية حافلة بها.

إلا أن التطورات الميدانية تركت أثارًا واضحة، ربما كان آخرها ما جرى في منبج والذي تمثل بالصراخ الأمريكي (أنا موجود على الأرض)، وانعكس بظهور عربات “سترايكر” الأمريكية مع وحدات من الجيش الأمريكي، تزامنًا مع وصول وحدات الجيش إلى مناطق منبج، وما تلاها من اعتراف رسمي ولأول مرة بوجود قواعد عسكرية جوية أمريكية في سوريا، رغم أن وجودها الفعلي والتنسيق مع بعض الأطراف المحلية يسبق ذلك بكثير. جاء الإعلان على لسان الجنرال جاي سيلفيريا، نائب قائد القيادة المركزية لسلاح الجو الأمريكي، كما تم تنفيذ أكثر من 100 عملية هبوط لطيران الشحن الأمريكي.

ارتفاع وتيرة التواصل بين مختلف الأطراف، وخروج التفاهمات والتنسيق بين الدول المختلفة على الأرض السورية إلى العلن، ومنها الزيارة التي قام بها الجنرال جوزيف دنفورد، رئيس أركان الجيش الأمريكي، إلى الأردن، والتقى فيها بالملك عبد الله بعد يومين من اللقاء الذي جمع رؤساء أركان جيوش روسيا وتركيا والولايات المتحدة، والتصريحات الصادرة من الدول المعنية بالحرب السورية، كل ذلك يؤكد أننا في المشاهد الأخيرة من “كابوس التنظيم”، في ليل الحرب المستمرة الذي لا يبدو له فجر قريب حتى اللحظة.

مقالات متعلقة

رأي

المزيد من رأي