بقايا صور لـ حنا مينة
ليست “بقايا صور” كغيرها من روايات الكاتب السوري حنا مينة، فالبطل والراوي فيها هو حنّا طفلًا، والحبكة هنا ليست ما تفتّق به خياله، بل ما خطّه القدر في طفولته وما جرى مع عائلته في حياة من الفقر والعوز، صنعت بمجملها روائيًا فذًّا كحنّا، بصبغة إنسانية صارت جزءًا من شخصيته.
في روايته، يقدّم حنّا بقايا الصور العالقة في مخيلة الطفل، في أواخر عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي، في قرى اللاذقية مكان ولادته، متنقلًا مع عائلته بينها بحثًا عن مأوى ومصدر رزق، وما شهدته عيناه الفضوليتان من ملامح سجّلها بعد عقود بلسان الروائي وإحساسه.
سنقرأ ونعيش حياة الريفيين وشقائهم، الفقر المدقع، الظلم والقسوة، الرحيل والسفر المستمرين، قرصة الجوع لا من صيام ولكن من عوز وفاقة، الأقدام الحافية وآلامها على الحصى والتراب، الملاريا والأوبئة وأمراض الفقراء، صفوف المحتاجين أمام قبر وليّ انتظارًا لصدقةٍ أو حصّة من نذر، موسم حصاد الزيتون وتعفيره.
مشاهد كثيرة يدهشنا مينة برهافة وصفه لها، حتى يكاد القارئ أن يرفع يده ليدرأ عن رأسه حرارة شمس الحصاد تماهيًا مع دقة الوصف.
من أبرز الشخصيات وأكثرها تأثيرًا في الكاتب والقارئ على حد سواء هي الأم، عاطفتها وحبّها، صبرها على أنانية الأب ولا مبالاته ومجونه، كل هذا مصبوغ بشفقة الطفل على أمه، وحيرته من أفعال أبيه في الآن نفسه.
تقع الرواية في 360 صفحة، وصدرت في طبعتها الأولى عام 1984 عن دار الآداب، وهي الجزء الأول من سلسلة يتابع فيها حنّا الحديث عن ذكرياته.
اقتباسات:
“وليس من وسيلة للخلاص سوى الرحيل، ولكن كيف وإلى أين؟ ديون المختار؟ وفراغ اليد، والانقطاع في البلدة النائية، في هذا المنعزل، بين الحقول في غربة أشبه بالضياع، كل ذلك يجعل رحيلنا مستحيلاً”.
“لم أحب ذلك الحقل الأقفر، كان الخريف قد جرد شجر التوت من أوراقه، ويبس العشب، واصفرّ كل شيء، حتى الشمس بدت صفراء، والريح الباردة وحدها كانت تنفخ”.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :