نحن معشر الحمير … من مذكرات معتقل
عنب بلدي – العدد 91 – 17/11/2013
«يا حمار…يا كر…يابن العاهرة.. يا أخو الشرمــ … يا… يا….يا…» وصفات أخرى كثيرة اعتدنا أن ينعتنا بها السجان كل صباح ومساء وظهيرة، مع الأكل وقبله وبعده وأثناءه، بسبب وبدون سبب، كما يقول مصطفى المفرج عنه مؤخرًا.
يتابع مصطفى… كنا في بداية الأمر نذرف دموعًا كلما سمعنا مثل هذه الكلمات، ثم بات القلق يراودنا على سجاننا إن قصّر يومًا في إسماعنا مثل هذه السمفونية والمعزوفة نادرة الوجود إلا في الأفرع الأمنية، وذات يوم خطر ببالنا أن نستمر بالنهيق بدل الكلام، وعندما علا نهيقنا دخل السجّان، وكانت ليلة أو ربما نهارًا لا يُنسى من كثر الجلد والضرب يومها بحجة أننا نسخر منهم، واختتم العقوبة بقوله: اليوم كل حمير المهجع محرومين الشعير وخلوا حمرنتكمتفيدكم.
ومع أن أجسادنا لم تعد تتحمل الضرب والعقوبات إلا أننا وصلنا إلى مرحلة تخدّرنا بها، وبتنا نضحك بعد كل عقوبة، ونتأوه فقط عند الضربة الأولى، وهذا حالنا بعد تلك العقوبة، عدنا نتابع نهيقنا وضحكنا دونما توقف، وتذكر يومها مثقف مهجعنا (فرج الله عنه) قصة كتبها عزيز نيسين عنونها «نحن معشر الحمير» وروى لنا حيثيات تلك القصة، قاصًا علينا «يقول الحمار: كنا، نحن معشر الحمير سابقًا نتحدث بلغة خاصة بنا، أسوة بكم معشر البشر، هذه اللغة كانت جميلة وغنية ولها وقع موسيقي جذاب كنا نتكلم ونغني، لم نكن ننهق مثلما عليه الحال الآن، لأن النهيق بدأ عندنا فيما بعد، وتعلمون أن جميع حاجاتنا ورغباتنا وحتى عواطفنا، نعبر عنها الآن بالنهيق…..إلى آخر القصة».
ضحكنا أكثر وأكثر ورددنا بأننا أيها السادة: نحن معشر الحمير نسينا لغتكم أيها السجانون، فلم نؤمن بها يومًا، ولم نرتضيها ذلًا، لم نكنز الشعير –كما فعلتم- بينما رعيتكم تموت جوعًا، ولم نعامل الآخرين بعنصرية الطائفة والدين، ولم نتآمر يومًا مع الأعداء والغرباء على أبناء شعبنا، ولم نبع أمنهم وأمانهم بأبخس الأثمان لنكتنزه في بنوك عربية وأخرى أجنبية.
نعم يا سادة نحن معشر الحمير، ومع ذلك لم نغلق الحدود يومًا في وجه شحنة أدوية أو غذاء، ولم ننشر الحواجز في الطرقات لنشلّ حركة أبناء شعبنا، ولم نحاسبهم لمجرد مكان قيدهم، ولم ننشر القناصة في الشوارع تتلقف الأرواح، ولم نحول المدارس والمشافي إلى ثكنات عسكرية، ولم نقتل إخوتنا بالرصاص والقذائف والميغ والكيماوي، ولم نستغفل شعبنا بقنوات إعلامية مغرضة لا تعي من الإعلام شيئًا، ولم نشهر سلاحنا يومًا في وجه أبناء بلدنا، ولم نعتقل الرجال والنساء والأطفال، ولم نمطرهم شتائم وغلاء أسعار، ولم ندمر كنائسهم ومساجدهم، ولم نهجرهم من بيوتهم حتى خارج حدود وطنهم، ولم نمنع الحليب والغذاء عن أطفالهم وأبنائهم، ولم نحاصرهم في مدنهم ونمنع علاج جرحاهم، ولم نقف بوجههم في تشييع ودفن شهدائهم.
ومع ذلك بقينا نحن معشر الحمير، آه منا نحن الحمير، هاق …هاق….، وأنتم البشر، فأرجوكم أرونا فقه بشريتكم فنحن ما زلنا حتى الآن نحكّم عقولنا الحميرية، ونطالب بالحرية والكرامة والعدل والمساواة ودولة مدنية ذات قانون وسيادة.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :