اعتاد السوريون خلال العقود الستة الماضية على “الاحتفال” في الثامن من شهر آذار كلّ عام. لكنه كان احتفالًا بيوم العطلة الرسمية، للموظفين والطلاب، دون أن يعرفوا لماذا عليهم أن يحتفلوا.
وبينما كان العالم يحتفل بنسائه، كانت النساء السوريات تسرقن وقت العطلة للقيام بالأعمال المنزلية وتحضير الطعام في وقت أبكر من المعتاد، دون أن يعلمن أن أحدًا ما يجب أن يحتفل بهنّ في هذا اليوم بالتحديد.
شاشات التلفزيون الأرضية والجرائد الرسمية، كانت الوسيلة التي يتم من خلالها “تثقيف” المواطنين حول “ثورة الثامن من آذار”، مع عرض عدد غير منته من أقوال “القائد الخالد”.
ويلعب الإعلام الرسمي دوره في عرض الاحتفالات “الجماهيرية”، التي تقام في مقار حزب “البعث” على امتداد الأراضي السورية عبر المحطات المحلية، والتي تزخر بحلقات “الدبكة” والخطابات الشعبية.
لم يكن المواطن السوري المنشغل بالهموم اليومية يمتلك الخلفية الكافية عن “الثورة”، ولم يكن يتجرّأ أن يعتقد أنها كانت “انقلابًا” قاده “البعث” معلنًا سيطرة الحزب الواحد على الحياة السياسية في سوريا، الأمر تلاه عقود من الفساد والقمع والتضييق، فضلًا عن الركود الاقتصادي.
مع اندلاع الثورة السورية، وما حملته من آمال الحرية والتحرر، شاركت المرأة في الحراك السلمي لدعم “الانتفاضة الشعبية”، وفي الوقت ذاته للتذكير بحقوقها وأهميتها في المجتمع السوري، كما نبّهت السوريين من خلال حملات عدّة أنّ عليهن الاحتفال بعيدها العالمي، في الثامن من آذار تحديدًا.
غير أنّ المرأة السورية استحقّت فعلًا أن يتمّ تكريمها ليس فقط كما تكّرم النساء الأوروبيات اللاتي ابتكرن هذا العيد قبل نحو 110 أعوام، بل تكريمًا يرقى إلى مقدار تضحياتهن ونضالهن في مواجهة حرب استهدف من خلالها النظام السوري قتل ملامح الحياة في سوريا.
وتشير التقارير الدولية إلى تعرّض المرأة السورية لضغوط كبيرة تصل حدّ التعذيب والقتل، إذ أوضح الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، في معرض حديثه عن عيد المرأة العالمي مؤخرًا، أنّ “المرأة السورية تعاني القهر الجنسي والاغتصاب والقتل، لا سيما في أرياف سوريا، إذ تتحكم قوة داعش والمنظمات الإرهابية الأخرى”.
ويصل عدد ضحايا الحرب في سوريا من الإناث إلى أكثر من 23 ألف امرأة بحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان، 91% منهم على يد قوات الأسد، بينما يزيد عدد المغيبات قسريًا والمعتقلات عن 7571 أنثى منذ عام 2011.
وبعيدًا عن التقارير الدولية، تنقل شاشات التلفاز، والمواقع الإلكترونية يوميًا عشرات الصور والأخبار عن معاناة المرأة السورية، إلى جانب التقارير عن نجاحها وتميّزها في مجالات مختلفة، في ظل ظروف قاسية.
ومن المفارقات، أنّ الحالة التي وصلت إليها النساء السوريات اليوم، ترتبط بشكل أو بآخر بتاريخ الثامن من آذار، إذ كانت الثورة السورية، وما تلاها من حرب أعلنها النظام لوأد الثورة، نتيجة طبيعية لسياسات حزب “البعث” في سوريا عقب سيطرته على الحكم منذ ستينيات القرن الماضي.
ومن المصادفات، أنّ كلمة “ثورة” التي أطلقها النظام على مناسبة عيد الثامن من آذار، تبدو أكثر منطقيّةً في حال نسب إلى يوم “المرأة” التي جاء ليسلّط الضوء على أهمية المرأة ووقوفها بوجه التمييز والقمع.