عنب بلدي – خاص
ثمانية أيام من الاجتماعات الثنائية بين المبعوث الأممي إلى سوريا، ستيفان دي ميستورا، ووفود النظام السوري والمعارضة، انتهت بالإعلان عن جولة جديدة تحت مسمى “جنيف 5″، الشهر الجاري.
جولة حافلة بالتصريحات واللقاءات والاجتماعات والمناورات التفاوضية، يرى بعض المحلّلين أنها تشبه سابقاتها الثلاث، من جهة عدم الوصول إلى حل ينهي الصراع المستمر منذ سنوات، ويلبي طموحات ملايين السوريين، والاكتفاء بالإعلان عن جولة جديدة.
في حين رأى آخرون أن ما يميز الجولة هو التحول في الموقف الروسي وتأييده لحل سياسي تجلى في ضغوط مارسها على وفد النظام السوري للقبول بمناقشة “الانتقال السياسي”، وسط شكوك حول جديته.
جدول أعمال من “أربع سلال”
مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا، ستيفان دي ميستورا، أعلن، الجمعة 3 آذار، انتهاء “جنيف 4” بالاتفاق على جدول أعمال واضح بين الوفود السورية المشاركة، لمناقشته في الجولة المقبلة للمضي في سبيل التوصل إلى حل سياسي.
وأكد دي ميستورا أن الجولة المقبلة، تحت مسمى “جنيف 5″، قد تعقد في آذار الجاري، دون تحديد تاريخها بالضبط، لكن زمنها سيحدد بعد زيارة دي ميستورا إلى نيويورك خلال الأيام المقبلة، ولقائه الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيرس، وتقديمه إحاطة إلى مجلس الأمن الدولي.
وفي مؤتمر صحفي عقده بعد انتهاء المفاوضات، قال دي ميستورا إن جدول أعمال الجولة المقبلة سيتضمن “أربع سلال”، السلة الأولى هي إنشاء حكومة جديرة بالثقة، وشاملة للجميع غير طائفية خلال ستة أشهر، والسلة الثانية بدء عملية صوغ دستور جديد خلال ستة أشهر أيضًا.
أما السلة الثالثة فتتضمن مناقشة إجراء انتخابات حرة نزيهة تحت إشراف الأمم المتحدة، وتشمل أعضاء من الجالية في المهجر التي يحق لها التصويت، وتكون بعد وضع الدستور في غضون 18 شهرًا.
وأكد المبعوث الأممي أن هناك “سلة رابعة” أضيفت إلى جدول الأعمال، بناء على طلب وفد النظام السوري، وهي “مناقشة استراتيجية مكافحة الإرهاب”.
الوفود تعتقد أنها “أنجزت“
تصريحات الوفود السورية المشاركة في المفاوضات شهدت تناقضات في مؤتمرات صحفية، فأكّد رئيس وفد النظام السوري، بشار الجعفري، أن “سلّة الإرهاب” سيطرت على 80% من فترة المحادثات، مشيرًا إلى التمكّن من فرض جدول أعمال وصفه بـ “العقلاني”.
أما رئيس وفد الهيئة للمفاوضات، نصر الحريري، فقال إنه “على الرغم من أننا نعود دون نتائج واضحة في أيدينا، لكن أقول إن هذه المرة كانت إيجابية أكثر، هذه المرة الأولى التي ندخل فيها بعمق مقبول لنقاش مستقبل سوريا، لنقاش مستقبل الانتقال السياسي في سوريا”.
تصريحات الطرفين تظهر اعتقادهما بتحقيق “إنجاز”، فوفد النظام السوري يعتقد أنه تمكن من إدراج “مكافحة الإرهاب” في جدول الأعمال، في حين يرى وفد الهيئة العليا أنه استطاع أن يجبر النظام على القبول بالبحث في عملية الانتقال السياسي.
وذكرت مصادر لصحيفة “الشرق الأوسط” أن “وفد النظام وافق على التطرق إلى سلة الانتقال السياسي، مقابل موافقة وفد الهيئة على إدراج مكافحة الإرهاب، لكن تحت مسمى الإرهاب وجرائم الحرب، وهو ما دافع عنه دي ميستورا في وجه الجعفري”.
وكان عضو منصة القاهرة المشاركة في المفاوضات، فراس الخالدي، أكد لعنب بلدي، الخميس 2 آذار، أن الوفد قال لدي ميستورا إن “كنت تريد طرح سلة مكافحة الإرهاب فلا مانع لدينا، ولكننا نظنها عرقلة للمفاوضات، ونفضل أن يكون مكانها في أستانة”.
وكانت دول تركيا وروسيا وإيران رعت اجتماعين بين الفصائل السورية المقاتلة، والنظام السوري، في العاصمة أستانة، بهدف “وقف إطلاق النار”، الأمر الذي لم يلتزم فيه النظام السوري وواصل قصف المدن الخارجة عن سيطرته.
ومن المتوقع أن يعقد اجتماعٌ ثالث قبل 21 من آذار الجاري، بحسب ما أعلن السفير الإيراني في كازاخستان، مجتبى دمير جيلو.
وشاركت منصة القاهرة، إلى جانب منصة موسكو، بوفدين منفصلين عن وفد “الهيئة العليا للتفاوض”، المنبثق عن منصة الرياض، وحصلت لقاءات بين المنصّات بهدف تشكيل وفدٍ موحّد لكنها لم تثمر.
ما بعد “جنيف 4″
المتتبع للمؤتمرات التي عقدت بشأن الملف السوري، بدءًا من بيان “جنيف 1” الذي عقد في 30 حزيران 2012، وبيان “جنيف 4″ الحالي، مرورًا بــ”جنيف 2″ في كانون الثاني 2014، و”جنيف 3” في شباط 2016، يجد أن المخرجات تنص على تحديد جدول وسقف زمني، من أجل صوغ دستور وتشكيل هيئة انتقالية وإجراء انتخابات بإشراف أممي.
وهو ما لم يتحقق بعد الاجتماعات السابقة، ما دفع ناشطين سوريين للقول إنّ ما حصل في “جنيف4” هو تكرارٌ لذات المخرجات، متوقعين عودة المعارك إلى الواجهة مجددًا.
وبات كثيرٌ من السوريين يعتقدون أن المفاوضات لا يعوّل عليها في إنهاء معاناتهم، في ظل عدم وجود رغبة حقيقية من الدول الكبرى في إنهائها، مع وجود دول في مجلس الأمن (روسيا والصين) تحاول إعادة هيكلة النظام السوري والإبقاء عليه في سدة الحكم.
وإلى جانب ذلك يعطي تشتت المعارضة السورية وعدم اتفاقها على تشكيل وفد موحد ذريعة للنظام السوري بعدم التفاوض بشكل مباشر مع معارضة غير “ناضجة سياسيًا”، بحسب ما قاله رئيس وفد النظام، بشار الجعفري، لأحد الإعلاميين في مؤتمر صحفي، الخميس 2 آذار، “على المعارضة أن توحد صفوفها أولًا كي تثبت نضوجها السياسي، قبل أن نجلس معها مباشرة”.
ورفض النظام السوري مرارًا فكرة الانتقال السياسي، حتى في “جنيف 4″، مطالبًا بالبدء بـ “محاربة الإرهاب”، وهو الذي يعتبر كلّ من يعارضه “إرهابيًا”، بحسب توصيف المعارضة.
بينما تضغط المعارضة لتدير دفّة “حرب الإرهاب” إلى الميليشيات الأجنبية المقاتلة إلى جانب النظام السوري وقواته، المتهمّة وفق تقارير أممية بـ “جرائم حرب”.
هل يرحل دي ميستورا قبل إنهاء مهمته؟
وتدور أنباء في أروقة الأمم المتحدة، عن قرب انتهاء مهمة المبعوث الأممي، ستيفان دي ميستورا، وعدم تجديد الأمين العام، أنطونيو غوتيريس، له، وسط خلافات حول وجود بديل له.
دفع ذلك إلى التخوف من أنّ مبعوثًا جديدًا إلى المستنقع السوري، ربما يطرح أفكارًا واجتماعات جديدة كما حصل مع المبعوثين السابقين، كوفي عنان الذي أطلق “خطة عنان”، والأخضر الإبراهيمي الذي اعتذر بعد “جنيف 2”.
هذه المعطيات تجعل السوريين يعتقدون بأن الجولة المقبلة ستكون كسابقاتها، ولن تتمكن من إعادة بارقة أمل لملايين السوريين، الذين باتوا يتساءلون إلى أين ستصل “متوالية جنيف وأستانة”.
محطات جنيف الأربعة
- خطة عنان في “جنيف 1”
عقد المؤتمر في 30 حزيران 2012، بعد دعوة من المبعوث الأممي إلى سوريا حينها، كوفي عنان، والجامعة العربية، لما سمي “مجموعة العمل من أجل سوريا”. - الإبراهيمي يعتذر بعد “جنيف 2”
عقد في كانون الثاني 2014، بدور كبير للمبعوث الأممي إلى سوريا في تلك الفترة، الأخضر الإبراهيمي، لتنفيذ بنود الاجتماع السابق، وتشكيل حكومة انتقالية بين الطرفين.
لم يخرج الاجتماع بأي من المقررات لإصرار النظام على رفض فكرة هيئة الحكم الانتقالي في سوريا.
واعتذر الإبراهيمي للشعب السوري عن عدم تحقيق شيء في المفاوضات. - دي ميستورا يبدأ مهامه في “جنيف 3”
أعلن عن عقده المبعوث الأممي إلى سوريا، ستيفان دي ميستورا، في شباط 2016 لكن تم تأجيله، بعد “تعرض (المبعوث الدولي) لضغوطات إقليمية ودولية”، ليستأنف بعدها في آذار من العام نفسه.
لم يخرج الاجتماع بأي جديد على الساحة السياسية السورية والميدانية، إذ بقيت مسألة مصير الأسد العقبة الأساسية في وجه المفاوضات.
- سلل “جنيف 4”
عقد الاجتماع نهاية شباط 2017، بدعوة من دي ميستورا، وانتهى بأربع سللٍ أعلن عنها المبعوث، تتضمن حكومة شاملة، والتحضير لدستور، وانتخابات أممية، إلى جانب حرب الإرهاب، خلال 18 شهرًا.
وأعلن المبعوث خلال هذه الجولة عن “جنيف5” خلال فترة أقصاها شهر.