أورفة – برهان عثمان
“بدنا نعيش“، كلمتان سهلتا النطق، ولكن “أبو محمد”، الذي يملك بقالية في مدينة الرقة، نطقهما بلهجة رقية وتنهيدة طويلة، وصفت الحركة التجارية في أسواق المدينة، وأتبعهما بعبارة “رغم الحرب والقصف ماشي الحال”.
وصفٌ يراه الستيني أبو محمد، واقعًا للحال الذي تعيشه المدينة، في ظل “ظلم” ومضايقات التنظيم، وما يفرضه على التجار من ضرائب، مضيفًا في حديثٍ إلى عنب بلدي “الهزات الاقتصادية والأوضاع غير المستقرة، لا تقضي على التجارة بالضرورة، رغم أنها تعيق نموها وازدهارها “.
ارتفاع أسعار المواد
يقدّر ناشطون عدد المدنيين في الرقة بحوالي 200 ألف مدني، مايزالون يمارسون حياتهم داخل المدينة، وسط تضييق “كبير” من تنظيم “الدولة الإسلامية”، الذي يسيطر على المدينة، بينما جلبت التحركات المتسارعة باتجاه المدينة، إثر المعارك المستعرة في ريفها، ارتفاعًا في أسعار المواد الغذائية والتموينية، وفق الأهالي.
ووصل سعر ربطة الخبز إلى 400 ليرة سورية، رغم انخفاض جودته، ورجح بعض الأهالي الذين استطلعت عنب بلدي آراءهم، ارتفاعًا مستمرًا في ظل نقص الطحين والقمح، متحدثين عن وصول سعر ليتر المازوت إلى 500 ليرة، وتجاوز سعر ليتر البنزين حاجز 700 ليرة.
حسين علي، مالك محلٍ لبيع الأدوات المستعملة في الرقة، قال إن تدفق المال والبضائع إلى الرقة لم ينقطع، “إلا أنه شهد اضطرابًا في المستوى بين الارتفاع والانخفاض، فالتجار كانوا دومًا يجدون مصادر لبضائع جديدة ترفد السوق، ما ساعد في استمرار دوران العجلة التجارية”.
“أثر واضح” تحدث عنه حسين، عازيًا السبب للأوضاع الأمنية غير المستقرة، وتكرر إغلاق الطرق والمعابر الحدودية، “فسوق الرقة مستهلك وليس منتجًا، كما أن أغلبية البضائع تأتي من مناطق النظام أو من خارج الحدود “.
مصادر التدفقات المالية إلى الرقة، تأتي من التحويلات الخارجية والأموال التي يجلبها النازحون من الريف معهم إلى المدينة، وفق الأهالي، إضافة إلى ما يضخه التنظيم من الأموال التي يعطيها لعناصره كمرتبات، وما يُوزّعه من “صدقات” على بعض عوائل المدينة.
من وإلى الرقة
بالنسبة لمدينة مقبلة على حرب وتعيش قصفًا يوميًا، ربما كان من المفترض أن تُصاب أسواقها بالركود، إلا أنها تشهد حركة بيع وشراء شبه طبيعية، رغم صعوبات التنقل وارتفاع أجوره، وفق خلف الحسين، سائق شاحنة تنقل المواد والبضائع من وإلى الرقة.
طيران “التحالف الدولي” دمر خلال الفترة الماضية، بعض جسور الرقة، في محاولة لعزلها عن محيطها، ومن بينها الجسر القديم المعروف بجسر “المنصور”، والجسر الجديد المعروف بجسر “الرشيد”، إضافة إلى جسر “المقلة”، ما قسم الرقة إلى ضفتين جنوبية وشمالية، بالنسبة لنهر الفرات.
ورأى الحسين أن حركة البيع والشراء مستمرة رغم تدمير الجسور، إذ لم يتوقف التواصل مع الخارج، رغم أن حركة العبور والنقل انخفضت، بينما استمر نقل البضائع من خلال مالكي القوارب، مقابل مبالغ مالية.
سوق العقارات في المدينة تأثر بدوره بمجريات الأحداث، إذ شهد انخفاضًا حادًا في أسعار الشقق والمنازل، بعد بيع الكثير من الأهالي لمنازلهم، قبل نزوحهم عن المدينة، في حركة عكسية، قللت من الوافدين إليها، ما خفّض نسبة الطلب على المنازل (شراء وإيجار).
عناصر التنظيم “يُعفّشون“
وانسحب ضعف التداول على الأثاث المنزلي، بشقيه المستعمل والجديد، وعزا حسين انخفاض أسعاره “بسبب بيع عدد من عناصر التنظيم الأثاث الموجود في المنازل التي سكنوها، والتي ضمها التنظيم إلى أملاكه متذرعًا بحجج مختلفة”.
بعض عناصر التنظيم الذين حصلوا على المنازل، شرعوا ببيعها أو بيع الأثاث فيها، ووفق شهادات حملها بعض الأهالي إلى عنب بلدي، فإن بعضهم غادر متجهًا إلى ريف دير الزور، لبيعها في مكانٍ “أكثر أمنًا و أقرب إلى الحدود العراقية السورية “.
الحسين وصف الأمر بأنه “شكل من أشكال التعفيش”، متوقعًا زيادة الظاهرة خلال الفترة المقبلة، مع تضييق الحصار على المدينة، “فبعض العناصر يبيعون كل ما يصل إلى أيديهم قبل أن يهربوا من المدينة”.
يكثر الحديث بين أهالي الرقة اليوم، عن تخزين تنظيم “الدولة”، للمواد استعدادًا لحصار قد يطول، بينما يخفي التجار بضائهم لبيعها بسعر أعلى في ظل الحصار، وفق الأهالي.
ورغم فقدان بعض البضائع من الأسواق، وشح أخرى، تزداد المخاوف لدى الأهالي، من مقبل الأيام، متخوفين من اشتداد الحصار وتكثيف القصف، إلا أنهم يصرون على متابعة حياتهم عاقدين الأمل على غدٍ أفضل، تتحسن فيه أحوالهم، آملين عودة مدينتهم إلى سابق عهدها.