براء الطه
قد يكون ضربًا من الخيال التحدث عن نهاية الحرب في سوريا، لكنّ تسارع الأحداث، وتراجع تنظيم الدولة في شتى المناطق التي سيطر عليها بين سوريا والعراق، إضافة الى التوقف شبه الكامل في المعارك بين قوات النظام وقوات المعارضة، هو ما يشير إلى اقتراب نهاية الصراع المستمر منذ عدة سنوات، إلا أن ذلك مايزال بعيدًا وخاصة مع بقاء أغلب ملفات الحرب مفتوحة، ولم يضف إليها أي جديد يقربها من الحل.
كان لافتًا أن تقدم الجيش باتجاه منطقة منبج لم يستغرق أكثر من ثلاثة أيام، ليفتح بذلك صفحة جديدة من فصول الحرب، وصورة تمثيلية للمرحلة المقبلة في سوريا. هذه العملية ستلقي بظلالها على جميع الأطراف والقوى في المنطقة، بدءًا بالنظام وليس انتهاء بقوات درع الفرات.
بالنسبة لقوات درع الفرات
يمكن النظر من عدة زوايا لأثر هذه العملية على “درع الفرات”، فمن المنظور السطحي للأمور تم تضيق الخناق على هذه القوات وحصرها في المنطقة الممتدة بين جرابلس واعزاز، لكن من ناحية ثانية، فإن هذا التقدم جنّب القوات توغلها أكثر في الداخل السوري، وبالتالي استنزافها بوجود خطوط إمداد طويلة وغير مؤمّنة، من الممكن أن تتعرض للهجمات في محيط أقل ما يوصف بأنه غير راضٍ عن هذا التوغل، لذلك أجبر “الإغلاق” هذه القوات على المفاوضات للوصول إلى الرقة عن طريق تل أبيض، بتفاهم روسي- أمريكي لتحقيق تسوية من نوع ما، مع قوات سوريا الديمقراطية.
بالنسبة لقوات سوريا الديمقراطية
تتعرّض القوات لعددٍ كبير من الضغوط الداخلية والخارجية، وأهمها في الجانب الاقتصادي الذي يؤثر بشكل أو بآخر على قراراتها السياسية، فمن المعلوم أن المعبر والمتنفس الوحيد لمناطق سيطرة “الإدارة الكردية الذاتية”، هو معبر “سيمالكا” مع إقليم كردستان العراق، وقد حدث سابقًا أن تعرض هذا المعبر للإغلاق من قبل الجانب العراقي، في محاولة للضغط على الإدارة الذاتية وقادتها في مناطق سيطرة الأكراد في سوريا، لتحقيق أجندات تخدم الجانب الكُردي العراقي ومن خلفه الحليف التركي.
اليوم وبعد الإعلان عن فتح الطريق بين دمشق والحسكة بتوافق بين النظام والقوات زالت هذه الضغوط وبدأ التحرك المضطرب والسريع للأطراف المعادية للقوات وبالأخص الكردستاني العراقي، في شعور بخروج هذه الورقة من اليد “البرزانية”، فتحركت قوات بشمركة “روج آفا” لاقتحام الحدود مع الجانب السوري، في إشارة واضحة لتعزيز دور القوات وزوال الضغوط التي كانت متبعة، إضافة الى إمكانية استقدام تعزيزات من مناطق عفرين إلى مناطق الشرق التي تسيطر عليها القوات، من أجل تعزيز مواقعها.
بالنسبة للنظام السوري
أهمّ ما حققه النظام في هذا التقدم أنه يعني استراتيجيًا حسم المعركة في سوريا، فيما لو تحقق تقدم القوات العراقية والحشد الشعبي إلى الحدود السورية عند محافظة الحسكة، ما يعني وصل الجغرافيا السورية بالإيرانية مرورًا بالعراق، وانتهاء بالجنوب اللبناني، وبذلك يتم استكمال الهلال المنشود.
النظام السوري ومن خلفه حلفاؤه يعرف جيدًا اللعب بالأوراق وانتهاز الفرص والاستفادة من الأخطاء، فقد جعل من الكُرد ورقة ضاغطة على تركيا عن طريق عدم الاستفزاز والمبادرة إلى الوقوف في صفهم ضد أي اعتداء تشنّه قوات درع الفرات المدعومة تركيًا، وبذلك يكون استفاد بعد الجغرافيا من الاقتصاد الذي سينعشه الغاز والنفط في حقول محافظة الحسكة، ويخفف من الأزمة الحالية التي تعاني منها مناطق سيطرته، رافدة للحقول التي تم السيطرة عليها في البادية السورية، ريثما تصل القوات العراقية والحشد الشعبي إلى الحدود، كما أسلفنا، ليبدأ شيئًا فشيئًا بسط السيطرة وإعادة الانتشار في الحسكة والقامشلي.
ولا يخفى أن أهم فائدة من هذا التواصل الجغرافي الذي تحقق بين مناطق النظام وقوات سورية الديمقراطية هو الضغط على الأتراك بالورقة الكُردية، والتي تعتبر تهديدًا حقيقيًا للأمن القومي التركي.
وأخيرًا يجب على المعارضة السورية محاولة فهم الواقع الحالي وقواعد اللعبة الدولية الجديدة والتوازن الإقليمي والداخلي، والابتعاد عن معاداة جميع الاطراف لتحقيق بعض من مطالب الشعب في التغيير، وتجنيب المنطقة ارتداد زلزال الخسارة.