الأيدي الخطأ
محمد رشدي شربجي
ليس في العالم اليوم أسوأ من الإرهاب إلا الحرب عليه، هذه الهاوية السحيقة التي ابتلعت دولًا وأقوامًا وحضارات لا يبدو لها في المدى المنظور قاع، واليوم وبعد عقدين من هذه الحرب المجنونة على إرهاب يزداد جنونًا، يعيش هذا الأخير أبهى عصوره.
الإرهاب المستهدف بالحرب عليه هو الإرهاب السني حصرًا بطبيعة الحال، فهو إرهاب لا عقلاني يخطط لتنفيذ هجمات داخل الغرب ولا يمكن التعامل معه ولا حتى التعامل مع دولة تستطيع أن تضبطه من وجهة نظر غربية صحيحة، على عكس أنواع الإرهاب الأخرى “العقلانية” التي تمارس إرهابها لدوافع سياسية يمكن تحديدها بدقة، إنه إرهاب لأخذ مكان أكبر ضمن نظام دولي قائم، أما الإرهاب السني فهو يريد تدمير النظام القائم من أساسه.
بعد حربين جمهوريتين كارثيتين في العراق وأفغانستان، اتبعت الإدارة الأمريكية سياسة “تلزيم المشاكل” لقوى محلية، مقابل اكتفاء الولايات المتحدة بالقيادة من الخلف، وقد أبدت هذه السياسة نجاحًا مقبولًا في البداية بالمناسبة، فتجربة “الصحوات” العراقية تكاد تكون التجربة الوحيدة التي استطاعت إخراج تنظيم القاعدة في العراق، (كان اسمه وقتها تنظيم الدولة الإسلامية في العراق) من المدن العراقية وطرده إلى صحراء الأنبار.
لقد كانت سنوات 2008 و2009 أسوأ فترات التنظيم في العراق على الإطلاق، فقد انخرط سنّة العراق بقوة في الصحوات، وشكلوا حائط صد لا يخترق ضد تنظيم القاعدة حينها، حتى جاءت إدارة أوباما التي قررت دعم نوري المالكي الخاسر والمدعوم من إيران في الانتخابات ضد الفائز إياد علاوي المدعوم من سنة العراق حينها، مقابل اتفاق مع إيران على تأمين انسحاب سلس للأمريكيين من العراق، ثم حدث ما هو معلوم للجميع، شنّ المالكي حربه على الصحوات، ثم فقد السنة إيمانهم بالعملية السياسية برمتها، وعاد تنظيم الدولة للمدن العراقية بعد أن انهار أمامه جنود الجيش العراقي تاركين خلفهم أحدث السلاح الأمريكي لـ “الأيدي الخطأ”.
الحرب على تنظيم الدولة قصة أخرى للفشل، فبدل دعم أهل الموصل في العراق أنفسهم لتحرير مدينتهم من داعش، تصرّ الولايات المتحدة (وخلفها العالم) على دعم ميليشيات تقودها إيران تجاهر بانتهاكاتها وتتوعد بالمزيد.
في سوريا عارضت أمريكا إسقاط النظام كما فعلت روسيا تمامًا، وحين انتشر، بحكم هذه السياسة، الإرهاب في سوريا، قررت أمريكا أن الأولوية في سوريا هي الحرب عليه، وأن هناك شريكًا واحدًا فقط في هذه الحرب هو حزب العمال الكردستاني الذي قرر مؤخرًا تسليم منبج “للأيدي الخطأ” في إطار حربه ضد تركيا.
على مدى ست سنوات رفضت أمريكا تسليح المعارضة السورية مخافة وصول هذه الأسلحة “للأيدي الخطأ”، المالكي تدعمه أمريكا ثم يهدي ثلث العراق لداعش، الذي يسلمها بدوره لإيران، وحزب العمال الكردستاني تدعمه أمريكا في سوريا ثم يسلم مناطقه للنظام.
من هم إذن المقصودون بالضبط بـ “الأيدي الخطأ”؟ إنهم المنكوبون أهل الموصل والرمادي والفلوجة وحلب وحمص، المسحوقون بقهر الإرهاب والحرب اللعينة عليه. إنهم الأيدي التي ستري العالم لعقود مقبلة معنى الخطأ.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :