عنب بلدي – مراد عبد الجليل
تحوّلت مناطق المعارضة السورية في الشمال إلى سوق كبير لمنتجات مجهولة المصدر بأسماء “ماركات” معروفة، ورغم أن أسعارها متدنّية إلا أنها قد لا تكون فعّالة، أو قد تسبّب أمراضًا مختلفة.
المنتجات تدخل إلى المناطق الشمالية (إدلب وريف حماة وحلب) عبر طريقين، الأول من تركيا نتيجة قربها من الحدود، والتسهيلات التي قدمتها الحكومة التركية للتجار السوريين بإدخال البضائع عبر المعابر، والطريق الثاني عبر إدخالها من المحافظات السورية الأخرى الخاضعة لسيطرة النظام السوري، وخاصة محافظة حماة.
معامل دون تراخيص واللصاقات متوفرة
عمليات التبادل التجارية الواسعة مع تركيا، حوّل المنطقة إلى سوق كبير تتوفر فيه المنتجات من كافة الأصناف بأسعار مختلفة، لكن في ظل غياب الرقابة والمحاسبة ظهرت منتجات مجهولة المنشأ صادرة عن منشآت صناعية أو معامل أنشئت على الحدود التركية من قبل “مافيات”، بحسب توصيف مدير شركة استيراد في إدلب، رفض كشف اسمه.
وأوضح المدير، في حديثٍ إلى عنب بلدي، أن الكثير من التجار افتتحوا معامل دون تراخيص على الحدود، تنتج أصنافًا من مواد التنظيف والشامبو ومستحضرات التجميل رديئة الجودة، بعد جلب عبوات من الصين، وضعت عليها لصاقات كتب عليها باللغة التركية من مطابع متوفرة بكثرة، وتوزّع في الأسواق السورية على أساس أنها تركية المنشأ.
هذه الأصناف تعرض بأسعار رخيصة، ما دفع المواطنين ذوي الدخل المحدود إلى شرائها دون النظر إلى جودتها ومنشئها، بحسب ما قال التاجر سامر، لعنب بلدي، في ظل غلاء أسعار المنتجات الوطنية القادمة من مناطق النظام السوري.
سامر أكد أن المعامل الموجودة على الحدود ليست جميعها تركية، وإنما هناك معامل أصحابها سوريون يورّدون منتجاتهم إلى داخل سوريا، مشيرًا إلى أن هناك مواد بجودة جيدة وبأسعار عالية، ومواد جودتها قليلة بتكلفة أقل، وبالنسبة للمواطنين يوجد من يرغب للجيد ومن يرغب للأقل جودة لكن “كلّو عم يمشي”.
أسعار غير معقولة لماركات عالمية
مدير شركة الاستيراد أكد أن أنواع الشامبو والصابون التي تدخل إلى الأسواق باعتبارها ذات منشأ تركي قليلة الجودة، والدليل هو سعرها المتدني مقارنة مع سعرها قبل الثورة، فسعر عبوة شامبو “هوبي” سعة 70 ملم كان يبلغ 250 ليرة سورية، بسعر الصرف 50 ليرة للدولار الواحد. أما اليوم فيبلغ سعر نفس العبوة بين 600 إلى 700 ليرة سورية، بسعر صرف 540 ليرة.
وبحساب رياضي بسيط يجب أن يتراوح السعر اليوم بين 2000 و2500 ليرة سورية.
كما يوجد شامبو “كلير” تركي المنشأ، يباع بسعر 1200 ليرة سورية لعبوة سعتها 350 ملم، في حين يبلغ سعر الشامبو الأصلي من شركة “يونيليفر”، المستورد من مصر، الموزع الوحيد في الشرق الأوسط، بسعر 2700 ليرة.
كما أشار المدير إلى أن شامبو الأطفال “جونسون” يباع بسعر 375 ليرة، في حين يباع المنتج الأصلي في مناطق النظام، بسعر ألف ليرة لعبوة 200 ملم، معتبرًا أن هذا “الفارق الكبير في الأسعار يجعلها موضع شك”.
وقد تؤدي هذه الأصناف إلى أمراض وتترك آثارًا جلدية، وخاصة مخلفات الصابون التي تسبب أمراضًا سرطانية.
الناشط في المجال الطبي، الدكتور محمد سكاف، أكد انتشار بعض المنظفات عن طريق منشآت محلية الصنع، بمواد مجهولة تدخل في تصنيعها، إضافة إلى رداءة الأصناف التي تأتي من المواد الإغاثية والتركية في ظل عدم وجود رقابة.
وأكد سكاف أن هذه المنتجات أسهمت في انتشار بعض الأمراض الجلدية وخاصة الأكزيما (نوع من الحساسية)، نتيجة استخدام منظفات وأنواع من الصابون دون معرفة تركيبتها وجودتها، إضافة إلى عدم جودة المياه في المنطقة.
المادة الفعالة لا تتوافق مع اللصاقة
الأمر لم يقتصر على مواد التنظيف فحسب وإنما انتشرت مبيدات ومخصبات زراعية ضعيفة الفاعلية في الأسواق، بحسب المهندس الزراعي، يوسف البريك.
وقال البريك، في حديثٍ إلى عنب بلدي، إن “بعض التجار استوردوا مبيدات ومخصبات من شركات خاصة غير حكومية، وجّهت منتجاتها السيئة إلى السوق السورية خاصة، وعادة تكون مثل هذه المنتجات غير مطابقة للمواصفات المرفقة”.
وأضاف “البعض لجأ إلى طباعة لصاقات في الداخل السوري، ولصقها على عبوات تحتوي على مواد غير فعالة أو ضعيفة الفعالية، ما أدى إلى وجود مثل هذه المنتجات في السوق”.
وأكد البريك ظهور منتجات ذات منشأ صيني، استوردتها شركات محلية سورية عن طريق تركيا، لاقت قبولًا لدى شريحة جيدة من المزارعين، نظرًا لانخفاض سعرها مقارنة، بنظيراتها ولفعاليتها المقبولة نسبيًا.
المهندس الزراعي، أنس رحمون، أكد لعنب بلدي أن “المواد الفعالة في المنتجات التركية التي تدخل سوريا غالبًا لا تتوافق مع اللصاقة من حيث النسبة، كما أنها لا تجرّب ولا تمرّ على أي جهة رقابية، وهي قابلة جدًا للغش على عكس منتجات شركات معروفة ويوثق بها، إذ تكون موادها ذات جودة عالية، ومكفولة المصدر، وتمر على لجان لحجر (ضبط) الأدوية غير المطابقة للمواصفات”.
ويأتي ذلك في ظل غياب الحجر الزراعي الفعال، الذي يتمثّل دوره بإجراء الدراسات والتجارب الحقلية على المبيدات التي تدخل حديثاً لاختبار كفاءتها، وتحديد طرق وظروف استخدامها، ومنع دخول بعض المبيدات المحرمة والرائجة في السوق حاليًا، مثل “الكاربوسلفان و”2.4 D”، والتي تنعكس آثارها سلبًا على البيئة والصحة، بحسب ما قاله المهندس يوسف البريك.
رحمون لفت إلى أن ثقة المزارعين بالمبيدات التي تأتي من مناطق النظام، لا يعني أن الرقابة من مؤسسات النظام نفسه، وإنما تكون الرقابة من الشركات ذات السمعة الجيدة ولها فروع في الأردن والعراق ولبنان، مثل “دبانة”، كما أن عدم استخدام الأدوية التركية لا يعني أنها فاسدة، ولكن التجار السوريين يدخلون مواد قليلة الجودة دون رقيب ولا حسيب، مؤكدًا “ليست كل الأدوية التركية سيئة وليست كل الأدوية التي تدخل من النظام جيدة”.
مواطنون يفقدون الثقة بالمنتج التركي
هذه المشكلات دفعت المواطنين، المستهلكين لهذه المواد، إلى التوجه لشراء المنتجات الأصلية كونها مضمونة من الشركة الموردة بفواتير نظامية.
كما أصبح لدى المواطنين ثقافة عامة تجاه هذه المواد، بحسب الدكتور محمد سكاف، ما يدفعهم إلى شراء المنتج الوطني القادم من مناطق النظام السوري، بالرغم من ارتفاع سعره نتيجة تكلفة إدخاله إلى مناطق المعارضة.
يرى المواطنون في إدلب أن المنطقة أصبحت “سوق استهلاك ليس أكثر، لتنفيذ بضائع وتحقيق ثروات باهظة، باعتبار المنطقة ملعبًا للتجار”، مطالبين فصائل المعارضة السورية والحكومة المؤقتة بتفعيل الرقابة ومحاسبة “ضعاف النفوس”.