ممرات شبه خالية، وهدوءٌ يشوبه ضجيج بعض الأنشطة، غلب على أجواء الجناح العربي في معرض اسطنبول الدولي للكتاب، بنسخته الرابعة، خلال أيام المعرض العشرة، من 24 شباط وحتى 5 آذار الجاري.
لم يكن معرض الكتاب العربي كسابقه، الذي احتضنته اسطنبول في تموز 2016، ورعته دور نشر عربية وتركية، بمشاركة قرابة 500 دار أتت من 15 دولة عربية، إذ ضم المعرض الأخير 250 دار نشر تركية، و75 عربية.
الزوار العرب تحدثوا عن ضعفٍ في التنسيق والإقبال، وأشاروا إلى غلبة الكتب التراثية والدينية، ونفى زوار أتراك، قابلتهم عنب بلدي، علمهم بوجود جناح عربي ضمن المعرض.
“لا يوجد قارئ عربي“
“المعارض طريقٌ ونافذةٌ للثقافة، لكن الكتب التي تعنى بالتراث غلبت على تلك التي تحمل الفكر المعاصر“، يقول محمود الوهب، صاحب دار نشر “نون 4″، المشاركة في المعرض الدولي، وهي دار سورية مقرها حلب، انتقلت إلى تركيا مع دخول الحرب إلى المدينة.
وبحسب الوهب، فالإقبال على دور النشر التركية كان أكثر من العربية، موضحًا “معظم الزوار الذين رصدتهم بحثوا عن الكتب التراثية والدينية، ولكن هذا لا يعني أنه لم يكن هناك زوار، رغم قلتهم، ممن طلبوا الكتب الأدبية والسياسية والتنويرية“.
يصف صاحب دار النشر الإقبال بأنه “عادي جدًا“، عازيًا السبب إلى أنه “لا يوجد قارئ عربي أصلًا يسعى إلى إيجاد الخيط الذي يصله بالحضارة“.
ويرى الوهب، الذي ضمت داره كتبًا “تنويرية” وسياسية، وقلة من الكتب التي تتحدث عن الثورة السورية، “نحن كعرب ومسلمين، وكأمة مهزومة أمام الحضارة والخصوم، نحتاج إلى ما يصلنا بالعالم المعاصر وهذا الأمر مفقود اليوم“.
تأسست دار “نون 4″ في حلب عام 2006، واستمرت هناك حتى عام 2012، ثم انتقلت إلى مدينة غازي عنتاب التركية، ويدير القائمون عليها حاليًا، المنتدى الثقافي السوري في المدينة كل يوم سبت أسبوعيًا. |
التسويق “ضعيف“
وفق من استطلعت عنب بلدي أراءهم، فإن الإقبال على الكتب كان “ضعيفًا“، والحضور الأكبر هو للفعاليات والنشاطات، التي شملت 22 نشاطًا ثقافيًا وسبع محاضرات، ألقتها أسماء عربية معروفة، كالدكتور راتب النابلسي، والدعاة طارق سويدان وعائض القرني، والمفكرين مختار الشنقيطي وأحمد خيري العمري، وغيرهم.
“العرب في تركيا غابوا عن المعرض، ووصلتنا شكاوى من الزوار أنفسهم، حول ضعف التسويق للجناح العربي“، يقول محمد أمين، مسؤول دار النشر المصرية– اللبنانية، التي تشارك للمرة الأولى في معارض كتب ضمن تركيا.
يوضح أمين أن دار النشر تضم روايات وكتبًا في التاريخ والإسلام والأطفال والسياسة، ويرى أن دور النشر التراثية والدينية “كثيرة” ضمن المعرض، “ولكن الموضوع ليس له علاقة بما يهتم به القارئ“، مشيرًا “نسعى إلى التعرف على ما يهتم به القارئ لتحديد مطلب الأغلبية“.
لم يغفل مسؤول الدار وجود روايات وكتب “تنويرية”، لكنه أكد أن التسويق للمعرض لم يكن بالحجم المطلوب، “كان من المفترض دعم المعرض أكثر بإعلام الطلاب العرب في المدارس والجامعات، فالتسويق للجناح التركي كان أفضل بكثير“.
يعزو رأفت الجلم، ممثل دار “نينوى“، سبب ضعف الإقبال إلى أن إعلانات المعرض بالتركية، “لم تذكر أي شيء عن الجناح العربي، كما أن إغفال الإعلان عنه في مناطق تجمع السوريين، كالفاتح وغيرها، وحتى على مواقع التواصل الاجتماعي، أثر على عدد الزوار“.
رغم قلة الزوار، إلا أن البعض منهم بحث عن كتب محددة، وترى سلام اليعقوبي الجزائرلي، من دار “نينوى“، أن المعرض ضم محتوىً عربيًا رغم أنه تركي ،“وهذه ظاهرة جديدة”.
وتلفت المسؤولة في دار “نينوى“، إلى أن بعض الشباب الذين زاروا الدار، وبحثوا عن كتبٍ حول بناء القدرات الشخصية، ومهارات الحياة، كما طلبوا كتبًا وروايات تركية مترجمة، “هذه الفئة لم تكن موجودة ومن المؤكد أن دور النشر ستستدركها في المعارض المقبلة“.
وضمت دار “نينوى” مزيجًا بين الصوفيات والتراثيات، وكتب الفكر المعاصر والسياسة، إضافة إلى بعض الروايات الإنكليزية المترجمة.
للأطفال نصيبٌ “وافر” من الكتب
لم تخلُ دار نشرٍ في الجناح العربي، من كتب الأطفال، الأمر الذي وجده بعض الزوار أمرًا إيجابيًا، ومنهم الطفل محمد زين (11 عامًا)، من مدينة حلب، الذي منعته الظروف من إتمام تعليمه، عقب خروجه من سوريا منذ عام 2012، وكان حينها في الصف الأول.
“أحب البحث في شخصية الكاتب ومعرفة لماذا كتب كتابه“، يقول محمد، الذي يتقن القراءة أكثر من الكتابة، مشيرًا إلى أنه حصل على مجموعة من كتب الأطفال التعليمية.
إدارة المعرض: إنه ليس لبيع الكتب
دعمت الحكومة التركية، سكن أصحاب دور النشر في الفنادق، وأمورًا لوجستية عدة، وفق محمد آغر آقجه، عضو اتحاد الناشرين الأتراك، ومن لجنة إدارة المعرض، ويقول لعنب بلدي إن الأتراك دفعوا 100 دولار أمريكي عن كل متر مربع، بينما دفع العرب 50 دولارًا فقط.
إدارة المعرض: الكتب والمجلدات التراثية والكلاسيكية القديمة لا أحد يشتريها في تركيا، وسوقها لدى العلماء فقط. |
يوضح آقجه أن ميزانية الجناح العربي، “وصلت إلى مليون ليرة تركية“، معتبرًا أن المعرض “لبيع الحقوق وليس لبيع الكتب“، وأشار إلى أن 350 كتابًا تبادلهم العرب والأتراك بين بعضهم، حتى اليوم الثامن من المعرض.
مبيعات الروايات وكتب الأطفال حققت النسبة الأعلى، بحسب عضو لجنة الإدارة، الذي يرى أن ذلك يعود إلى أن “الكتب والمجلدات التراثية والكلاسيكية القديمة لا أحد يشتريها في تركيا، وسوقها لدى العلماء فقط“.