إدلب – عفاف جقمور
“حرفتي الأساسية صعبة ومكلفة، وإن غامرت وبدأت بها فإن ابن البلد سيذهب لابن بلده ولن أنجح بجلب زبائن لي”.
يقول رشاد الخوص (32 عامًا)، مهندس إلكترون هُجّر قسرًا من الزبداني في ريف دمشق، إلى مدينة إدلب في نيسان الماضي، ويسكن حاليًا في مركز إيواء مع أبناء بلدته.
تغيّرت التشكيلة الديموغرافية في مدينة إدلب، بعد سياسة التهجير التي اتبعها النظام السوري في مناطق سورية عدة، وإبعاد سكان مناطق محيط العاصمة إلى المحافظة الشمالية. بعض النازحين تابع رحتله إلى خارج البلاد، وآخرون استقروا في إدلب، ليبدأوا رحلة صراع جديدة في تأمين أساسيات العيش.
العمل قليل ورأس المال غير موجود
خرج أهالي المناطق المحاصرة من بلداتهم لا يحملون سوى قطع من الملابس، والقليل من الأموال، وبسبب التعداد السكاني المتزايد في إدلب، أصبح من غير السهل الحصول على فرص عمل، مع شبه انعدام لوجود رأس مال.
يقول رشاد الخوص لعنب بلدي “خرجت ولم أحمل معي أكثر من 25 كيلو من حاجياتي الشخصية، وحتى الأموال التي كانت بحوزتي تركتها لأهلي وأصدقائي الذين مازالوا محاصرين في الزبداني”.
وأشار إلى أنه يحتاج إلى 300 ألف ليرة سورية “على الأقل” ليبدأ مشروعه الصغير، وهو لا يملكها حتى الآن، وأنه يعتمد بشكل خاص على المنح المالية، التي تقدمها الفصائل العسكرية في المدينة، كمصدر رزق أساسي.
إلا أن عددًا قليلًا من المهجّرين الذين كانوا يعملون بالتجارة في مناطقهم، استطاعوا إخراج أموالهم معهم، ليبدأوا مشاريع تجارية صغيرة في إدلب.
عنب بلدي تحدثت إلى “أبو أحمد”، القادم من مدينة حماة، والذي استطاع فتح “سوبر ماركت” في إدلب، يسهم فيها إلى جانبه عددٌ من أصحاب الأموال.
وقال أبو أحمد “الكثير من المهاجرين، الذين حملوا معهم مبالغ مالية، يشاركون معي في بضاعتي كأسهم، ونتقاسم الربح”.
وأشار إلى أن آخرين قرروا البدء بمشاريع تجارية صغيرة، أما من لا يملكون المال، فـ “قلة قليلة” منهم تمكنت من إيجاد عمل بالمهن اليدوية، والكثير منهم عاطلون عن العمل.
مُهجّرون ينشرون خبراتهم
عمل المُهجّرين بالحرف اليدوية في إدلب كان له تأثيرٌ واضح في الوسط الذي يعيشون فيه.
ومع قلة فرص العمل، أصبح هنالك تبادل واكتساب لخبرات جديدة بسبب قدوم مهارات جديدة، لا سيما في مجال الزراعة وصناعة الحلويات، وغيرها من المهن.
واستطاع أحد المُهجّرين من مدينة داريا، افتتاح محل حلويات في بلدة جرجناز، وكسب زبائن كثر من أهالي المنطقة.
كما تمكن آخر من العمل في مهنته وهي صيانة صهاريج المازوت، بعد أن أبلغ أهالي المنطقة بخبرته في هذا المجال، ليتمكن من تأمين مصدر رزق “جيد”.
وبسبب قلة الخبرات في الريف الإدلبي، توجه معظم السوريين إليه، كونه يفقتد بالأساس لوجود بعض المهن بسبب صعوبتها وارتفاع تكلفتها.
ويُعتبر بيع البضاعة المستعملة هو الرائد، لعدم قدرة الأهالي على شراء البضائع الجديدة.
أما في المدنية، فلم يستطع المُهجرون إحداث تأثيرٍ كبير، إذ اقتصر عملهم على مجالات محددة ماتزال متواضعة مقارنةً مع عددهم، وسط معاناة من قلة توفر رأس المال.
أصحاب الشهادات الجامعية والمقاتلون.. ما هي فرصهم؟
برز الدور الأكبر لبعض المُهجّرين من أصحاب الشهادات الجامعية، في العمل الإداري بمنظمات المجتمع المدني الموجودة في إدلب، ولا سيما منظمات الإغاثة.
إلا أن المنظمات المحدودة في المدينة لم تتمكن من استيعاب كافة الجامعيين، ويصعب على حملة الشهادات إيجاد عمل في مجال اختصاصهم، إلا فيما ندر، ما أدى إلى توجه بعضهم إلى العمل الحر، أو أعمال تجارية، أو الانخراط في حرف يدوية مختلفة.
وفرضت الظروف الاقتصادية على بعض حملة الشهادات الجامعية، تعلم مهن جديدة لم يعملوا بها سابقًا، للتمكن من تأمين أساسيات العيش وسط غلاء الأسعار في المدينة.
أما عن المقاتلين الذين أتاح لهم النظام الخروج من المناطق المحاصرة، وفق اتفاقيات “تسوية”، فالتحقوا بفصائلهم في مدينة إدلب، وهم يعتمدون بشكل أساسي على التمويل الذي تقدمه لهم الفصائل المقاتلة والجمعيات الإغاثية.
ويولي الفصيل اهتمامًا أكبر بالعائلات من حيث المساعدات المُقدّمة، أكثر من دعمه للشباب، ويوزّع على العائلة المكونة من خمسة أو ستة أشخاص، ما يُعرف بـ “السلل الغذائية”.
إلا أن بعض المُهجّرين أكدوا لعنب بلدي أن الاهتمام يكون في الأشهر الأولى لقدومهم فقط، ثم يكون لزامًا عليهم إعالة أنفسهم بأنفسهم.
وتقارب نسبة العاملين في مختلف المجالات 70% من مجموع النازحين الذي يقدر عددهم بالآلاف، إلا أن مراقبين يؤكدون أن المُهجّرين استطاعوا بحرفهم وأعمالهم وخبراتهم إنعاش سوق الشمال السوري.