عنب بلدي – خاص
انسحب تنظيم “الدولة الإسلامية” من مدينة الباب، الخميس 23 شباط، بعدما نجحت فصائل “الجيش الحر” المدعومة تركيًا، بطرق أبواب المدينة والولوج إليها من المحورين الشمالي والغربي، ليخسر بذلك أهم معقل له في محافظة حلب، وثالث المدن الرئيسية التي خضعت له سابقًا.
معركة الأشهر الثلاثة
بدأت معركة الباب فعليًا مطلع تشرين الثاني من العام الماضي، إذ عملت فصائل “الجيش الحر”، المشاركة في غرفة عمليات “درع الفرات”، على قضم مواقع التنظيم من ثلاثة محاور (شمال، شمال شرق، شمال غرب)، لتصل مطلع كانون الأول إلى الأطراف الشمالية والغربية للمدينة.
ومنذ كانون الأول، وفصائل المعارضة تحاول اقتحام المدينة وبلدتي قباسين وبزاعة المحاذيتين لها من المحورين الشمالي والشرقي، إلا أن جملة عوائق واجهت الفصائل والجيش التركي الداعم لها، أبرزها التحصين الدفاعي الجيد للتنظيم، واعتماده على السيارات المفخخة والصواريخ الحرارية في مواجهة خصومه، عدا عن لجوئه إلى الأنفاق الواصلة بين الباب ومحيطها.
ومنذ ذلك الوقت، اكتسبت العمليات العسكرية بين “درع الفرات” والتنظيم طابع “الكر والفر”، وفشلت الفصائل المهاجمة في إحداث خرق حقيقي في محيط المدينة، بل ألحق التنظيم فيها خسائر بشرية كبيرة، فأقرت تركيا بمقتل نحو 60 جنديًا في العمليات، عدا عن خسائر “الجيش الحر” غير المعلنة، إلى أن سيطرت القوات المهاجمة على جبل عقيل والمستشفى الوطني في الباب، 8 شباط الجاري، ويشكلان بوابتها الغربية.
ومنذ 8 شباط، بدأت فصائل “الجيش الحر” مرحلة جديدة في مواجهة التنظيم، فتحولت المعارك المفتوحة إلى حرب عصابات بين الشوارع والأحياء، كانت الكلمة الفصل فيها للفصائل المهاجمة، بعد إحكامها السيطرة على شبكة الأنفاق التي استثمرها التنظيم في معركته جيدًا، لتعلن “درع الفرات” سيطرتها الكاملة على المدينة قبيل مساء الخميس 23 شباط.
ولم تمضِ ساعات على سيطرة “الجيش الحر” على مدينة الباب، حتى انسحب التنظيم من بلدتي بزاعة وقباسين المجاورتين، ليحافظ على وجوده في بلدة تادف (جنوب الباب)، والتي باتت محاصرة من ثلاث جهات، الشمالية الخاضعة لـ “الجيش الحر”، والجنوبية الخاضعة لقوات الأسد، والغربية التي يتقاسمها الطرفان.
ماذا بقي للتنظيم شرق حلب؟
عمليًا بات التنظيم يحكم سيطرته على بلدتين استراتيجيتين فقط، وهما دير حافر ومسكنة، في الطريق الواصل بين مدينة حلب ومدينة الرقة، إلى جانب مطار الجراح الواقع بينهما، لكن قوات الأسد، التي استأنفت منذ كانون الثاني عملياتها العسكرية ضد التنظيم شرق حلب، باتت على الأبواب الغربية لدير حافر، في مسعى للسيطرة على الطريق الواصل إلى مدينة الطبقة في ريف الرقة الغربي.
إلى جانب هاتين البلدتين، ماتزال نحو 50 قرية تحت سيطرة التنظيم في ريف حلب الشرقي، تقع جميعها في حصار من ثلاث جهات، الشمالية الخاضعة لـ “الجيش الحر” والشرقية الخاضعة لـ “قوات سوريا الديمقراطية” والغربية الخاضعة لقوات الأسد.
تتضاءل فرص تنظيم “الدولة” في الحفاظ على نقاط رئيسية له في محافظة حلب، بعد خسارته المدن الرئيسية خلال ستة أشهر، منبج وجرابلس والباب على التوالي، في ضوء سعي ثلاثة أطراف رئيسية لتقاسم ترِكته شمال وشرق حلب، فاستحوذت فصائل “الجيش الحر” على ألفي كيلومتر مربع من الشمال، بينما كانت الكلمة الفصل لـ “قوات سوريا الديمقراطية” أقصى الشرق، بالتزامن مع سعي النظام للوصول إلى الضفاف الغربية للفرات.
معلومات عن مدينة الباب
تفوق طرطوس بالمساحة:
تبلغ مساحة مدينة الباب وحدها 13 كيلومترًا مربعًا، وهي ذات مساحة مدينة إدلب، وأكبر بقليل من مدينة طرطوس على الساحل السوري، وتعد أكبر مدن محافظة حلب بعد مركز المدينة.
بلغ عدد سكان المدينة عام 2009، 146 ألف نسمة بحسب دائرة الإحصاء السورية، بينما بلغ عدد سكان منطقة الباب التي تضم الراعي وتادف وقباسين وبزاعة، نحو 300 ألف نسمة.
قديمة ما قبل الرومان:
تدل المقتنيات الأثرية داخل الباب على قِدمها، إذ توجد فيها أعمدة أثرية رومانية، وأقنية ماء تعود إلى العهد الآرامي، بحسب باحثين، وأطلق عليها سابقًا “باب بزاعة”، لتكون أكبر تجمع بشري شمال سوريا قبيل الفتح الإسلامي.
بالتزامن مع فتح حلب على يد الصحابي “أبو عبيدة بن الجراح”، فتح الصحابي حبيب بن مسلمة الفهري القرشي، مدينة الباب والبلدات المحيطة بها في سنة 16 هجرية.
بوابة حلب الشرقية:
تقع الباب على الطريق الواصل بين مدينة حلب ومدينتي الرقة والحسكة مرورًا بمدينة منبج الاستراتيجية، ما جعلها عقدة مواصلات مهمة في الشمال السوري.
وأطلق على الباب، مسمى “بوابة حلب الشرقية”، إذ تبعد عن مدينة حلب مسافة 30 كيلومترًا فقط، كما تبعد عن الحدود التركية 30 كيلومترًا أيضًا.
سلة غذاء الشمال:
تتوسط الباب سهلًا زراعيًا واسعًا، جعلها سلة غذاء الشمال السوري، والمصدر الرئيسي للمزروعات والمشتقات الحيوانية في محافظة حلب.
اشتهرت الباب أيضًا بزراعة القطن، ويعدّ القطن البابي من أجود أنواع القطن السوري، ما جعلها مصدرًا أوليًا لصناعة المنسوجات، التي تشتهر بها مدينة حلب.
أولى شرارات الثورة الحلبية:
أطلقت مدينة الباب أولى شرارات الثورة ضد النظام السوري، حيث خرجت فيها مظاهرات طالبت بإسقاط النظام في 8 نيسان 2011، أي بعد ثلاثة أسابيع على اندلاعها في درعا.
سيطر “الجيش الحر” على الباب مطلع عام 2012، وشاركت فصائل المدينة في دخول مدينة حلب بعد نحو عام، لتخضع لسيطرة تنظيم “الدولة الإسلامية” مطلع عام 2014، وتصبح عاصمته الرئيسية في محافظة حلب.