خلف خطوط "الموت ولا المذلة"

نازحو درعا البلد يفترشون السهول ويرقبون “التحرير”

رجل يتأمل ما جرى بالأبنية داخل حي المنشية في درعا البلد - شباط 2017 (وكالة نبأ

camera iconرجل يتأمل ما جرى بالأبنية داخل حي المنشية في درعا البلد - شباط 2017 (وكالة نبأ

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – درعا

ليست حالة النزوح جديدة على أهالي درعا البلد، فلا يمضي عامٌ على الأحياء الخاضعة للمعارضة دون نزوح أهلها عن منازلهم، بفعل المعارك تارة، ونتيجة للقصف المتواصل الذي تشنه قوات الأسد تارة أخرى، حتى باتت عشرات العائلات تقيم في الخيام بشكل دائم، لتقتصر عودتها إلى منازلها، أو ما تبقى منها، على الزيارة فقط

موجة النزوح الحالية تزامنت مع فصل الشتاء، وموجات البرد القارس، فتوزع الأهالي في خيم متفرقة في السهول المحيطة بدرعا البلد، وبين عدد من بلدات ريف درعا الشرقي، المكتظة أصلًا بالنازحين من مدن وبلدات أخرى.

وأوضح المجلس المحلي لمدينة درعا، في بيان إحصائي نشره في 16 شباط الجاري، أن قرابة نصف العائلات النازحة انتشرت في سهول درعا البلد الزراعية، لتتحمل الجزء الأكبر من معاناة النزوح، دون مأوى أو بنية تحتية.

عنب بلدي تحدثت مع “أبو محمد المحاميد”، أحد النازحين برفقة عائلته إلى مزارع الشياح، واعتبر أن قصة النزوح أصبحت ملازمة لأهالي الأحياء “المحررة” في مدينة درعا.

وقال “أهالي درعا البلد منذ خمس سنوات، نازحون هنا وهناك، والمزارع تحولت إلى قرى ممتلئة بالخيام المتفرقة”.

لكن هذه القرى، كما وصفها المحاميد، ليست آمنة، “صحيح أننا لا نتعرض للقصف الدائم كما يحصل للأحياء في درعا البلد، لكن تتعرض المزارع أحيانًا للقصف المدفعي، كما يتعمد النظام دائمًا شن غارات بالطيران الحربي أو إلقاء البراميل المتفجرة، لذلك فمخاوف القصف موجودة”.

أما على المستوى الإنساني فتعاني هذه المخيمات من فقدان الكثير من الخدمات الأساسية، “نفتقد إلى الكهرباء إلا من استطاع الاعتماد على ألواح الطاقة الشمسية، والمياه لا تتوفر إلا عبر الصهاريج، وهناك ضعف كبير في المساعدات الإغاثية”.

الإقامة في الخيام لم تكن خيار المحاميد الأول، فقد حاول البحث عن منزل في البلدات الخاضعة للمعارضة لكنه جُوبه بمعوقات كبيرة، “في البداية صعوبة العثور على منزل فارغ، وإن توفر فالإيجار يكون مرتفعًا، وربما تضطر أربع عائلات للإقامة في منزل واحد”، وهو ما دفع الرجل وعائلته للتوجه نحو السهول، التي تعاني ما تعانيه، فالصعوبات التي ذكرها تكاد تكون مقبولةً مقارنة مع الأجواء الشتوية السائدة هذه الأيام، التي تعتبر لوحدها مأساة كبيرة، “نحن نقيم في مزارع، أي بين الأشجار وفي التراب، فالأمطار والأجواء الباردة تزيد من هذه المأساة بشكل كبير جدًا”.

وبدا أن المحاميد لا يعلق آمالًا على المنظمات الإغاثية والهيئات التي تقدم الدعم للنازحين، “حالة النزوح ليست جديدة أبدًا، ولا أظن أن الهيئات والمجالس الحالية لديها الحل لرفع المعاناة، أو تخفيفها بشكل ملموس على أقل تقدير، وجميع الحلول المقدمة إسعافيه لا تنفع إلا لأيام قليلة”.

على الجانب الآخر، يبدو أن آمال النازحين الكبرى هي باتجاه فصائل المعارضة التي تخوض المعارك في حي المنشية، وهو ما عبر عنه أبو عمر بجبوج، أحد نازحي درعا البلد، “أملنا معلق بالله، ثم بالثوار فقط، نتأمل بانتصار وتحرير عاجل وأن نعود إلى منازلنا لإعمارها من جديد، بعد أن نتخلص من قوات الأسد في المدينة”.

يعيش بجبوج، كغيره من النازحين، لحظات المعارك بكل تفاصيلها، “نحن لا نبعد إلا كيلومترات قليلة عن المعركة، نشاهد القصف والغارات والاشتباكات أمامنا”.

وأضاف الرجل “لا نملك إلا الدعاء فقط، عند حدوث أي غارة أو قصف، نفكر فورًا بسلامة الثوار ولكن في نفس الوقت عاجزون عن فعل أي شيء”.

وتعتبر حالة نزوح أهالي درعا البلد إلى المزارع المحيطة حالة استثنائية، فالأهالي مازالوا جزءًا من المعركة، رغم ابتعادهم عنها لمسافة قصيرة، ويقتنص بجبوج لحظات الهدوء للعودة إلى أحياء المدينة، “عندما نشعر بتوقف القصف بشكل نسبي، نعود بسرعة لدرعا البلد لتفقد الثوار والحارات والمنازل وما حل بها، قبل أن نعود مجددًا نحو السهول”.

يعيش الأهالي حالة “النزوح ولا النزوح”، ويصف بجبوج الوضع بقوله “نحن نازحون فعلًا، لكننا نرفض أن نبقى كذلك، لذلك نريد تحرير الأرض من قوات الأسد، ونرفض التخلي عن منازلنا حتى ولو كانت ركامًا”.

ومع اقتراب معركة “الموت ولا المذلة” من دخول أسبوعها الثالث، مازالت قوات الأسد التي تساندها الطائرات الروسية ترد بالقصف على منازل المدنيين، والمرافق العامة، لتحيل العشرات من المنازل إلى ركام، وتتحول العديد من الأحياء إلى أطلال، في ظل إصرار المعارضة على إكمال المعركة حتى نهايتها، لكنّ خلف خطوط الاشتباكات في “الموت ولا المذلة” هناك مئات العائلات النازحة التي تترقب فجر الغد.

نجاح

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

خطأ

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة