أورفة – برهان عثمان
داخل مدينةٍ مصيرها مجهول، تمتد اليد العليا لتنظيم “الدولة الإسلامية” في دير الزور، بعد أن أصبحت ملاذًا وتجمعًا لعناصره المنسحبين، من الأراضي العراقية والسورية التي خسرها مؤخرًا، فيصبح للخبر القادم من هناك قيمة وأهمية “كبيرة”، باعتباره مؤثرًا على حياة المقيمين فيها، ومعلومة يبحث عنها المغتربون قسرًا من أبنائها.
في ظل غياب شبه كامل عما يجري، يقضي أبناء دير الزور أوقاتهم، محاولين استقاء الأخبار عما يحيط بهم، كما يقول عبد القادر، مضيفًا “كنا نعيش في جزر شبه معزولة، فالطرقات طويلة وشبكة الإنترنت غير متوفرة في معظم الأوقات”.
التنظيم “يحظر” المعلومات
حظر شبه كامل فرضه تنظيم “الدولة” على الأهالي في المدينة، وفق ابن الدير عبد القادر، ويوضح في حديثٍ إلى عنب بلدي أن “المصدر الوحيد للمعلومات هو التنظيم أو نقاطه الإعلامية، وما أكثر الأخبار التي يتناقلها عناصره، والإشاعات التي يطلقها بعض الأهالي، سواء الموالون منهم للتنظيم أو غيرهم”.
خرج الشاب الثلاثيني من دير الزور مؤخرًا، “بعد أن ضاقت به الحال”، وفق تعبيره، ليجد نفسه بعيدًا عن الوقائع التي تجري اليوم، شارحًا “تغييب الأهالي عما يحدث والتحكم بالمعلومات يسهل السيطرة عليهم، وهذا ما ينتهجه التنظيم، الذي يحاول تعزيز المعنويات، عبر بث الأخبار التي تصب في مصلحته وتصف صموده الأسطوري، وقد نجح في ذلك إلى حد بعيد”.
عاش عبد القادر أكثر من عامين في كنف التنظيم، خبر خلالها وسائل الدعاية التي يعتمد عليها، باعتباره صديقًا لأحد العاملين في نقاطه الإعلامية، كما يقول، موضحًا “أخبار التنظيم تستهدف فئتان هما الأهالي وعناصره المغيبون بشكل كامل”.
ويعتمد التنظيم على وسائل حديثة في التصوير والأرشفة، ويخفي عشرات المشاهد والصور دون عرضها، “لتكون ذخيرة يخزنها لعرضها في الأوقات المناسبة”.
محاولات لكسر الطوق
يحاول بعض الأهالي جاهدين اختراق التعتيم المفروض من قبل التنظيم، “فبعض البيوت مايزال أصحابها يمتلكون أجهزة (دش) فضائية، بينما يعتمد آخرون على أجهزة التلفاز الصغيرة، التي تلتقط قنوات النظام السوري، ويمكن إخفاؤها بسرعة، إضافة إلى قلة من الراديوهات”، كما يشرح حسين، أحد سكان دير الزور، ويعيش في مناطق سيطرة التنظيم.
يحتفظ في منزله بجهاز “دش” ويخفيه “بشكل جيد”، كما يقول لعنب بلدي، مضيفًا “رغم معرفتي بأني سأسجن وأدفع غرامة في حال ضبطه عناصر التنظيم، إلا أنه ضروري بالنسبة لي كونه فرصة للحصول على المعلومات، وهذا ما يمنحني حافزًا للمخاطرة”.
ويأتي تخوّف حسين من قرار أصدره التنظيم قبل نحو عام، ومنع فيها استخدام التلفاز و”الدش” في مناطق سيطرته، وحدد عقوبة مخالفة قراراته، بالسجن لأكثر من شهر، والجلد “تعزيرًا”، فضلًا عن دفع غرامات مالية تصل إلى 30 ألف ليرة سورية.
“انقطاع الأخبار أراح بال البعض، لكنه شغل تفكير آخرين شعروا بالعزلة عن العالم والعيش في جزر بدائية”، يقول حسين واصفًا حال أهالي المدينة.
موقف لا يتوافق عليه جميع الأهالي، كما تقول أم محمود، التي ماتزال تعيش داخل مناطق سيطرة التنظيم، “فالخبر السيئ يصل سريعًا، كما أن القنوات لا تحتوي غير الفساد والكذب، فضلًا عن تعريض أنفسنا لخطر عقوبة التنظيم”.
“لا أحتاج أجهزة غير عيني وأذني، ولست أثق بالأخبار التي ينقلها من يقصفني ويقتل أهلي وجيراني”، تضيف السيدة الخمسينية، التي تشير إلى أن استعدادات التنظيم لتوسيع رقعة سيطرته في المدينة “واضحة”، كما أن إعلام النظام “يسيّر الأمور كما يحلو له”.
تدفع التطورات الميدانية المتسارعة في المنطقة الشرقية من سوريا، والأخبار المتضاربة، الكثيرين للمجازفة مقابل الحصول على المعلومة، في سعي للاستعداد لما هو مقبل، ويرى البعض أن حديث أم محمود، ربما جاء خوفًا من التنظيم، بينما يوافقها البعض ويقتنعون به.
إجراءات احترازية
يُشدّد التنظيم قبضته الأمنية داخل دير الزور، محاولًا الإبقاء على جبهاته متماسكة قدر الإمكان، وفق رؤية العديد من أبناء المدينة، الذين يؤكدون أنه يهدف بالدرجة الأولى، “لإظهار قوته أمام الجميع، وتغييب خسائره أو تصويرها على أنها أكاذيب وشائعات”.
ويروّج عناصر التنظيم للأخبار من خلال منابر المساجد و”الدورات الشرعية” التي يديرها، إضافة إلى نقاطه الإعلامية، والمطويّات الورقية، والأقراص المدمجة التي يوزعها، متباهيًا بمعاركه، “إلا أن السلاح الأقوى في يده، يكمن في حالة الرعب المنتشرة بين الأهالي من مخالفة أوامره وعقوبتها”.
ويشمل التعتيم الذي يفرضه التنظيم جانبين، بحسب بعض من خرجوا حديثًا من مناطق سيطرته، الأول يتمثل بأوضاعه ومجريات معاركه وأحوال عناصره، “لكن وصول العناصر المنسحبين من العراق والجبهات الأخرى في سوريا إلى دير الزور وريفها، زاد مهمة التنظيم صعوبة، إذ بدأ الأهالي يحتكون بالعناصر الجدد.
أما الجانب الثاني فيتعلق بالأخبار المسربة من مناطقه، وهذا ما دعاه إلى تخفيض أعداد مقاهي الإنترنت وإقفالها بشكل متكرر، وسط منعه استخدام “النواشر”، من خلال دوريات مستمرة و”الكبسات الأمنية”، المصطلح الذي غدا منتشرًا بين الأهالي، ما دعا بعضهم إلى استخدام التشفير والرموز في أحاديثهم، في محاولة لكسر الطوق المفروض عليهم.
تفيد بعض المصادر المحلية لعنب بلدي، بأن التنظيم بدأ بتدريب عناصره على شيفرات ورموز معينة، لاستخدامها وقت الحاجة، كما لجأ إلى التصعيد من “خطابه التحريضي” ضد من لا يوافقه استعدادًا للمرحة المقبلة، والتي تحتاج إلى العمل السري في العديد من المناطق التي خسرها ظاهريًا، لكنه مايزال موجودًا فيها وقادرًا على التحرك في الأوقات المناسبة.