كتاب أم كيلو لحمة؟
هل انقرض الكتاب الورقيّ من حياة القارئ السوريّ؟
عنب بلدي – حنين النقري
يطرح علماء اللغة العربية تعريفاتٍ عدة لكلمة “قراءة” في معاجمهم، ومن بينها ما ذكره ابن منظور في كتاب العرب “قرأ الشيء قرْءًا، وقرآنًا: أي جمعه وضمّ بعضه إلى بعض”. ولعلّ هذه العبارة من أكثر معاني الكلمة دلالة على حالها لدى السوريين اليوم، وتدهور مآلها عقب الحرب التي فرّقت كل جمع، وشتّتت كل شمل، ومن بينها القراءة باعتبارها بالدرجة الأولى ضمًا وجمعًا حسب ابن منظور.
يطلق معظم أصدقاء تيماء، مهندسة سورية مقيمة في السويد، عليها لقب “دودة الكتب”، فلا تقع بين يديها مطبوعة دون أن تقرأها “من الغلاف إلى الغلاف”، لكنها تستدرك بحسرة “كان هذا في الماضي، عندما كانت الكتب متوفرة حولي في كل مكان، أما اليوم فلا أكاد أجد في محيطي كله كتابًا عربيًا واحدًا”.
أجور شحن مرتفعة “جدًا”
تلجأ تيماء، كمعظم القرّاء السوريين، إلى النسخ الإلكترونية من الكتب والمتوافرة على الإنترنت، وتضيف “بالطبع لا شيء يضاهي القراءة من كتاب ورقيّ، لكنّني أواسي نفسي أنني على الأقل أمارس فعل القراءة ولا أتوقف عن رفد ذخيرتي الثقافية وإثرائها، ولو بشكل مؤقت”.
وتشير تيماء إلى أن اللجوء للكتب الإلكترونية هو آخر ما اقتنعت به بعد تجربة شراء كتب ورقية من موقع أمازون، تقول “اخترتُ مجموعة من الكتب العربية الورقية واشتريتها من موقع أمازون، لم أحسب حساب أجور الشحن وتوقعت أنها (رمزية)، لكنني فوجئت عندما أوصلت شركة الشحن الطرد بأن أجور الشحن أغلى من ثمن الكتب نفسها… اضطررت لاستلام الطرد ودفع المبلغ، بالطبع لم أكرر التجربة لاحقًا ولا أفكر بذلك على المدى المنظور”.
باللغة الإنكليزية
إضافة للقراءة الإلكترونية، بدأت تيماء بقراءة الكتب باللغة الإنكليزية المتوفّرة في المكتبة العامة بشكل مجانيّ، تستأنف “هناك الآلاف من الكتب الأجنبية بلغتها الأم ومعظمها بالإنكليزية، وهو ما قررتُ التعامل معه بدل التحسّر على عدم وجود كتب عربية ورقية. كسوريين لم نتعلّم اللغة الإنكليزية بشكل قويّ في المدارس لكنني أحاول أن أكسر هذه العقدة، فمهما كان الوقت الذي تستغرقه قراءة الكتاب سيتحسّن مستوى لغتي مع المتابعة، وسيجعل قائمة الكتب المتاحة لي أوسع بالتأكيد”.
كتب دارجة
يلجأ محمد، مبرمج سوري يقيم في تركيا، لحلّ تيماء ذاته، وهو الكتب الإلكترونية، ويضيف “رغم توافر عدد من المكتبات العربية في اسطنبول، إلا أن الكتب المطروحة فيها تنحصر بـ (الكتب الدارجة)، والتي يكثر عليها الطلب مثل مؤلفات باولو كويلو وإليف شافاق وسواهما. من الصعب أن أجد الكتب التي أبحث عنها فيها كالكتب التخصصية البرمجية أو الكتب الحديثة، لذا أكتفي حاليًا بالكتب الإلكترونية، أو أوصي أحد الأصدقاء ممن يقصدون تركيا بزيارة قريبة ببعض الكتب غير المتوافرة”.
منصة قراءة
ويشير محمد إلى أن الكتب الإلكترونية لا تعني ملفات pdf فقط، والتي غالبًا ما تكون صورًا “لا نصوصًا” عن صفحات الكتاب، يشرح مقصده “إضافة إلى كتب pdf، تتوافر ملفات إلكترونية نصية بعدة صيغ مثل EBUP وكندل، والتي غالبًا تتيح تجربة قراءة أفضل مع إمكانية تكبير الخط وتحديد النصوص وسواها، وهي صيغ الكتب التي أقرأها، سواء بشكل مجاني أو مدفوع إذ غالبًا ما تكون أسعار الكتب المتاحة بها زهيدة مقارنة بالكتب الورقية، وهو ما يسمح لي بقراءة كتب حديثة نسبيًا وغير متوافرة بأشكال أخرى سواء إلكترونيًا أو ورقيًا”.
ولأن شاشة الهاتف الذكي بمقاس “5 إنش” لا تناسب ساعات طويلة من القراءة، عدا عن إشعارات تطبيقات التواصل والتشتيت الذي تسببه، خلق محمد ما يسميه (منصة قراءة) خاصة به، يتابع “اشتريت جهازًا ذكيًا لوحيًا بمئة وخمسين دولارًا، شاشته بحجم 8 إنش مناسبة جدًا للقراءة، وخصصته كمنصة لقراءة الكتب الإلكترونية دونما اتصال بالإنترنت أو تطبيقات للتواصل، وهو ما زاد من إنتاجيتي وتركيزي على ما أقرأ بشكل كبير”.
طابعة منزلية
بعد أن بدأ نظر مروة، طالبة هندسة مقيمة في تركيا، بالتراجع لكثرة قراءاتها فترات طويلة من شاشة هاتفها المحمول، قررت أن توقف هذا التراجع بحل توفيريّ يساعدها على تشكيل مكتبة منزلية، تقول “لم أرغب بشراء جهاز إلكتروني للقراءة ولو بشاشة أكبر، لأن ذلك يعني الاستمرار بالتحديق بالشاشة وتحمّل إضاءتها، وهو ما أتعب عينيّ في الواقع، لذا اشتريتُ طابعة منزلية صغيرة، وبدأتُ بطباعة الكتب الإلكترونية التي أرغب بقراءتها، ومن ثم تغليفها بشكل ذاتيّ، إضافة لاستعانتي بهذه الطابعة لتصوير بعض الأوراق الجامعية اللازمة”.
تنوّه مروة إلى أن تصوير الكتب منزليًا لا يأتي بنتيجة مثالية من حيث نوعية الورق المستخدم وجودته، لكنها تستأنف “ربما كان الاهتمام بجودة الطباعة رفاهية أمام ندرة الكتب العربية، ما يعنيني حقًا هو أن أوفر المحتوى القرائيّ لنفسي، وهو ما بدأتُ به”.
كتاب أم “كيلو لحمة”؟
لا يرتبط عدم القراءة الورقية بين السوريين بندرة الكتب الورقية في أماكن لجوئهم فحسب، إذ يمتدّ الأمر للسوريين داخل سوريا، وهو أمر تفسيره الوحيد “غلاء الأسعار”، حسب ماريا، طالبة جغرافيا مقيمة في دمشق، تقول “للأسف تركتُ في منزلنا بالغوطة (الشرقية) مكتبة كبيرة فيها ما يزيد على ألف كتاب، لكن الوصول لهذه الكتب صعب، كصعوبة شراء الكتب المعروضة فيما تبقى من مكتبات هنا”.
وتشير ماريا إلى أن الامتناع عن شراء الكتب الورقية ليس أمرًا خاصًا بها، بل هو ملحوظ بين زوار المكتبات التي تقصدها، تضيف “نفس المكتبات التي كانت لا تخلو من زوار نجدها اليوم فارغة، حتى من يقصدها يكتفي بمشاهدة العناوين المعروضة، وقد يمتد الأمر لشراء قرطاسية، أو تصوير مستند بأحسن الأحوال، فمن سيشتري رواية ثلاثية غرناطة بخمسة آلاف ليرة (كل ألف ليرة تعادل 2 دولار أمريكي)، وهل سيختار رب الأسرة شراء كتاب أم كيلو لحمة؟”.
وتشير ماريا إلى إمكانية العثور على كتب بأسعار زهيدة (أقل من 1000 ليرة سورية) على البسطات “لكن ذلك ينطبق على الكتب غير ذات القيمة الفكرية أو الأدبية، كما تفتقر المكتبات للكتب الحديثة بشكل كبير فجميع العناوين المعروضة تعود لسنوات مضت”.
القراءة في أرقام
-
بعد خمس سنوات من توقفه، نظّم اتحاد الناشرين السوريين معرض الكتاب الدولي في دمشق عام 2016 بمكتبة الأسد، بمشاركة 75 دار نشر سورية وأجنبية، بنسبة تشكل 75% من عدد دور النشر المعتاد.
-
كان معرض كتاب دمشق عام 2011 آخر معرض كتاب في الثورة، وشاركت فيه قرابة 250 دار نشر، مقارنة بـ 400 دار نشر شاركت في معرض الكتاب الدولي في دمشق عام 2010.
-
حازت سوريا في مؤشر القراءة العربي لعام 2016 على 39 نقطة من أصل 100، حيث يشكل منسوب القراءة نسبة 45%، وإتاحة القراءة نسبة 29%، وكان متوسط عدد الكتب المقروءة سنويًا بين عينة من قرابة 4700 مشارك هو 13 كتابًا، تُقرأ بمتوسط 33 ساعة.
-
احتلت لبنان المركز الأول في مؤشر القراءة العربي لعام 2016 بمعدل 96 نقطة من أصل 100، إذ يقضي اللبنانيون متوسط 59 ساعة سنويًا لقراءة متوسط 29 كتابًا.
-
حسب مؤشر القراءة العربية فإن معظم ما يقرأه السوريون من مطبوعات مكتوب باللغة العربية، وتزيد نسبة القراءة الإلكترونية عن القراءة الورقية بينهم.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :