أنا إنسان ماني حيوان
عنب بلدي – العدد 89 – الأحد 3/11/2013
تعامى نظام الأسد عقودًا عن كونه يحكم «بشرًا»، عاملهم كحيوانات أو أقلّ، لم يحترم الإنسان فيهم، فخرجت الثورة لتعيد للإنسان قيمته.
ومهما حاول البعض تغيير هذه الحقيقة، فإنّ ثورة الكرامة والحريّة خرجت ﻷجل كرامة الإنسان وحرّيته، لم تكن شعارات من قبيل إقامة إمارات إسلامية أو دولة دينيّة أو سواها ضمن الهتافات الأولى أبدًا -لم يهتف في المظاهرات الأولى أيضًا سوى سوريون بطبيعة الحال-، وكان أوّل ما أحيته فينا الشعور بالمساواة الإنسانية بين بعضنا البعض.. فثار «الإنسان» في دير الزور نصرة «للإنسان» في درعا؛ وسار الإنسان إلى جانب أخيه الإنسان في مظاهرة واحدة يجمعهما هدف واحد، دونما سؤال عن انتماء أو دين أو طائفة أو منطقة..
اليوم، وهي في عامها الثالث، إلى أيّ مدى تمسّكت ثورة الإنسان بإنسانيّتها، بأهدافها، رغم اختلاف وسائلها على الأرض، وهل قتلت الحرب القائمة بقايا الإنسان فينا؟
لعلّ أول زاوية تتبادر إلى أذهاننا مع لفظة «إنسان» هي الطبّ، ولست هنا ﻷشيد بالأطباء ممن آثروا البقاء في ظروف صعبة إيفاءً بقسم أبقراط -رغم استحقاقهم لذلك-، إنما أودّ الإشارة لملمح خطير ينبغي التنبّه له، ألّا تقتل مشاهد الدماء والجثث المتكدّسة أمامهم -بشكل لم يعاينوه يومًا- الإنسانيّة في قلوبهم، إن أتيح لك محاورة طبيب أو استشارته بأمر صحيّ، ستشعر بأنّ أي خلل صحيّ -مهما كان كبيرًا- صغير في عينيه، كثرة الإصابات وقلّة الموارد الإسعافية ستجعل بعض العاملين في القطاع الصحيّ يستهترون بخطأ طبيّ قد يغيّر مسيرة حياة أحدهم، قد لا يبالون لأمراض صارت تبدو في أعينهم بسيطة، نحن هنا نصف الواقع ولا نكيل أي اتهامات، ليسوا أرقامًا.. حقيقة ندريها وربما نحتاج أن نذكرها، فأي روح تزهق لها حقّ علينا وكأنه أول مشهد موت نحضره، علينا أن نتمسك حتى آخر لحظة بدموع الرحمة في أعيننا حتى لا نفقد إنسانيتنا.
على الجانب الآخر تمامًا من القطاع الطبيّ، أكثر الزوايا شراسة، القطاع العسكريّ. يولّد السلاح قسوة في نفس حامله، وللأسف، فقد كان حمله اضطرارًا في ثورتنا، فهل قتل السلاح إنسانيّة البعض من مقاتلي الجيش الحرّ، كما قتلها في صفوف جيش النظام منذ زمن طويل؟
ليس سؤالًا محرّمًا، فأثر مشاهد القتل والموت على النفس البشريّة ثابت، ولأجل هذا كانت وصية أبي بكر الصديق لجيشه «لا تقتلوا طفلًا ولا شيخًا ولا امرأة، لا تقطعوا شجرة» وﻷجل ذلك كان الحديث النبويّ «وإذا قتلتم فأحسنوا القتل»
لا تمثيل في الجثث، لا كتابة عليها، لا قطع رؤوس، لا تعذيب، هو عدوّك، لكنّك إنسان، فلتتصرف وفق إنسانيّتك.
للأسف فإن أبرز انتهاكات الإنسان في هذه الفترة ترتكب باسم الإسلام، ولعل أول الأمثلة على ذلك: داعش، دولة «الإسلام» في العراق والشام، التطرّف الدخيل على ثورتنا وشعبنا وأرضنا، الخطف والقتل الذي طال ناشطي الثورة أنفسهم، قطع الطرق والسرقة والنهب، التمثيل والذبح، التكفير والإرهاب..
مئات الفتاوى باسم الإسلام، تبيح ذلك كله لداعش وسواها.. فهل يتّبعها البعض اتباعًا أعمى دون أي «استفتاء للقلب ولو أفتاه الناس وأفتوه؟»
لا يمكن لما هو غير إنساني أن يكون إسلاميًا، لا يمكن له أن يكون سماويًّا، هذا القُبح لا يمكن أن ينزل من السماء، ولا ينبغي أن يرتكب باسم أي دين من أديانها.
«أنا إنسان ماني حيوان» من أجمل وأصدق الشعارات التي قيلت بعفوية فأصابت لبّ مقصد الثورة، ذاك الذي ربّما ينبغي لنا أن نذكّر أنفسنا به مجدّدا.
فلنجدد بيعتنا ﻹنسانيّتنا!
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :