أيهم الطه
«ثورتكم انتهت ولم يبق أمامكم من حل سوى المفاوضات»، بهذا يريد الجميع أن يوحي للسوريين، مفاوضات دولية أقرب ما تكون منها داخلية تراعي الشؤون الدولية والتسويات العالمية بين أقطاب العالم وتهمل السوريين وجراحهم.
ثلاث أعوام من الثورة التي تظاهر المجتمع الدولي بأنه يقف مع الشعب فيها دون أي دعم حقيقي للشعب السوري. كل ما حصل عليه السوريون هو الكلام والمواقف الوهمية ليكون ذلك غطاءًا لتمرير تسويات عالمية بين كل من روسيا والصين من جهة والولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبا من جهة أخرى، بما يشبه تحالف وارسو ضد الأطلسي. وقد تبدو هذه التوصيفات عودة إلى مصطلحات الحرب الباردة ومنتصف القرن الماضي لكنها في عمق الحقيقة والواقع .. للأسف.
ربيع العرب الذي كان من المفترض أن يزهر التقدم والبناء، أدخلته الدول الكبرى في صراعاتها فحولته إلى حرب على أرض العرب وبدمائهم، وسوريا كانت جزءًا أساسيًا من هذا «الربيع» ومن اللعبة الأممية.
سياسة العصا والجزرة التي طالما استخدمها المجتمع الدولي مع الأسد، يلجأ إليها اليوم مع المعارضة لإجبارها على حضور المؤتمر، ويرى فيلتمان أن «ثمن عدم محاولة عقد مؤتمر جنيف2 أكبر بكثير من مخاطر إمكانية الفشل فيه»، واعتبر أن «الفشل في عقد المؤتمر واستمرار القتال في سوريا» سيوصلانا إلى السيناريو الذي يتحدث عنه الرئيس السوري بشار الأسد المتعلق بإمكانية ترشحه للانتخابات الرئاسية العام المقبل.
المجتمع الدولي الذي عمل جاهدًا على حصر الثورة السورية بمعادلة التوازن بين طرفي العصا بحيث لا يخرج أي رابح من الطرفين، منع وصول السلاح النوعي إلى الثوار وحافظ على القنوات التي تؤمن الحياة للنظام مستخدمًا التهديد والوعيد ومبتعدًا عن أي فعل حقيقي يساعد الشعب السوري والثوار في الداخل. وها هو اليوم يحاول الضغط بشكل أكبر على المعارضين للجلوس مع موفدي النظام إلى جنيف 2.
لسنا ضد التفاوض في شيء، لكن الجميع يغفلون عمدًا عن الهدف من ورائه، إذ ليس التفاوض هوالمقصود بحد ذاته، ومطالب الثوار لم يتحقق منها أي شيء إضافة إلى التعنت الذي يبديه النظام في إزاحة قيادته العليا وتسليم البلاد إلى إدارة انتقالية بصلاحيات حقيقية ومحاسبة كل من تورط في إراقة الدم السوري وتخريب البلاد، فهل النظام مستعد لذلك؟
لم يبد ذلك في كلام الجعفري الذي خرج متوعدًا في الامم المتحدة بأن نتائج جنيف2 ستعم العالم سلامًا كانت أم حربًا، ولم يتطرق أي حديث في أروقة الأمم المتحدة أو في الردهات الدبلوماسية عن نتائج جنيف1 وماذا حل به، وما نفذ منها، وعلى ما يبدوا فإن جنيف2 سيسير في ذات الطريق.
صوت بان كيمون بدا ضعيفًا ومخنوقًا كصوت السوريين حين قال أنه يدعم إنهاء الحصانة ومحاسبة النظام السوري، فبالرغم مما رأيناه مؤخرًا بالنسبة للنظام السوري فإن الحصانة بعثت فيه من جديد، والمحاسبة على استخدام الأسلحة الكيماوية ميتة. وعلى الرغم من أن الأمين العام كان قال إن نظام الرئيس الأسد ارتكب جرائم ضد الإنسانية، فقد تم إسكاته من خلال الاحتفال بدور الأمم المتحدة الذي تم إحياؤه بقرار مجلس الأمن 2118.
أما المعارضة السورية فتتجهز للدخول إلى المؤتمر مفككة ومهلهلة ودون الاتفاق على الحد الأدنى من شروطه. هذا المثلث الذي يحيط بالشعب السوري بأضلاعه الثلاثة (المجتمع الدولي، النظام، المعارضة) يكاد لا يتفق على شيء سوى استمرار الأزمة السورية لأمد مفتوح واستمرار جراح السورين وآلامهم.