إدلب – عفاف جقمور
في عمر الأربعين لا يأمل المرء شيئًا أكثر من تواصله مع أهله وأبنائه، أو الأحفاد، إلا أن أم مصطفى تعيش وحيدة في غرفتها تبيع ما تسنّى لها من بسكويت، وعلب عصير علّها تجلب رزقًا أو تسدّ رمقًا.
أم مصطفى من مدينة داريا تعيش في قرية “عطاء” للنازحين شمال إدلب منذ أشهر، بعدما قدمت مع ولديها الشابين تاركة أمها، وأباها، وأقرباءها، في مناطق سيطرة النظام، إذ لا تستطيع التواصل معهم نهائيًا حتى لدقائق معدودة.
يعتبر الريف الدمشقي وحدة جغرافية مترابطة مع العاصمة دمشق، إذ تقترب مدن الغوطتين مع بعضها البعض بمسافة من ثلاثة إلى عشرة كيلومترات، كدوما وحرستا وعربين، أو داريا ومعضمية الشام، وتعود بعض العائلات الموجودة في دمشق وريفها لأصل واحد.
وباختلاف السيطرة بين مناطق تابعة للنظام وأخرى تابعة للفصائل المعارضة يغدو التواصل بين أفراد العائلة الواحدة “ضربًا من المستحيل”.
دقائق معدودة لم تروِ شغف أم مصطفى من صوت أمها وأبيها في العيد الماضي، إجابات مقتضبة عن حالها وابنها الذي زوّجته حديثًا في غرفة محاذية لغرفتها، وحديث خانق عن “بسطتها” التي افتتحتها مؤخرًا، وأسئلة عن حال الكهرباء والماء وأساسيات الحياة لدى كل منهم، لتنتهي المكالمة بسوء اتصال الإنترنت تاركة وراءها حسرة وآهات.
لا تتوافر الاتصالات الخلوية في الشمال إلا على الحدود المتاخمة لمناطق النظام للشبكات السورية، أو في المناطق الحدودية مع تركيا اعتمادًا على الشبكات التركية، وتقتصر الاتصالات في بقية المناطق على الإنترنت من الشبكات الفضائية.
“لا أتحدث إليهم كثيرًا رغم اشتياقهم لكن أخشى عليهم”، تتحدث أم مصطفى عن انقطاع تواصلها مع أهلها.
تقول السيدة “نحن نعتبر إرهابيين في نظر النظام وأخشى أن يلحق بهم أذى”، إلا أنها تعوض عن ذلك بتواصلها مع أصدقائها وجيرانها في قرية “عطاء” السكنية التي صارت سكنها الجديد.
كثير من العائلات تشتت وانقطعت سبل التواصل بينهم وبين أهلهم وأقاربهم، إما بفعل التهجير القسري، أو بسبب الانتقال الطوعي إلى مناطق سيطرة النظام، وسط تخوف من مراقبة وسائل التواصل من قبل النظام السوري.
تستيقظ أم مصطفى في السادسة صباحًا لتبيع أكياس “الشيبس” والبسكويت لأطفال المدارس تداري بهم وحدتها آملة أن تجتمع مع أهلها في القريب العاجل.