الشمال السوري يفقد مقاتلي المناطق “المهجرة”

  • 2017/02/19
  • 3:40 ص
مقاتل من المعارضة السورية في ريف دمشق كانون الأول 2016 (AFP)

مقاتل من المعارضة السورية في ريف دمشق كانون الأول 2016 (AFP)

عنب بلدي – ضياء عودة

“إلى الشمال السوري” وجهة وحيدة خرج إليها مقاتلو وأهالي البلدات والمدن المهجرة من قبل النظام في الأشهر الأخيرة من 2016، بعد اتفاق قضى بإخلاء مناطقهم بالكامل، والتوجه إلى مدينة إدلب بسلاح فردي خفيف.

اتجاهات تباينت بعد وصول المقاتلين إلى إدلب وريفها، منهم من بقي في فصيله، الذي أعاد تجميع نفسه من جديد لكن بحجم أقل مما كان عليه سابقًا، ومنهم من انضوى في الفصائل الكبرى المنتشرة في المنطقة، وفصائل أخرى انطلقت إلى طريق مغاير عما كانت عليه، فالسلاح تُرك، و”روح الثورة” اختلفت عما كانت عليه في المدن الأم.

أسباب عدة دفعت بعض المقاتلين إلى ترك السلاح بعد خروجهم من مناطقهم، تتوقف عنب بلدي عندها وتحاول في هذا التقرير تحليلها، من خلال الحديث مع عدد من المقاتلين الذين تركوا السلاح حديثًا، وقياديين عسكريين علقوا عليها.

“فصائلية” متعددة الأهداف

علاء حمادة نازح من مدينة حماة، عمل مقاتلًا في صفوف فصائل المعارضة بريف حماة الجنوبي، قبل أن يترك السلاح مؤخرًا، يتحدث لعنب بلدي عن الأسباب التي دفعته لترك سلاحه، والانتقال بعدها للعمل المدني.

يقول الشاب “أول الأسباب التي دفعتني لترك السلاح هي الاقتتال الداخلي بين الفصائل، فلم يعد بإمكاننا التمييز من خلاله عن أسباب الاقتتال، ومن على الحق ومن على الباطل”.

إضافةً إلى “العدد الكبير للأشخاص السيئين، خاصة على مستوى قيادات الفصائل، إذ تحول بعضها لمافيات… الأمر الذي جعل القتال بشكل عام كريهًا”.

وجد المقاتلون الواصلون حديثًا إلى الشمال السوري “تنوعًا فصائليًا” اتسمت فيه ساحة الشمال السوري، فالتجربة العسكرية والسياسية التي عاصروها على مدار سنوات حصارهم في مدنهم وبلداتهم، اختلفت جذريًا عما آل إليه الوضع حاليًا، بدءًا من التوجهات المختلفة والمتنوعة للفصائل المتعددة، وصولًا لفرض الرأي والمعتقد على الجهات الأخرى، لينتهي المطاف بـ”التخوين” والاقتتال، الذي يصب في مصلحة النظام بشكل مباشر.

السبب الذي تحدث عنه الشاب علاء، ذكره المقاتل أحمد (طلب عدم الكشف عن اسمه الكامل) من ريف دمشق الغربي، إذ ترك “العمل العسكري” بعد وصوله إلى الشمال السوري واتجه إلى “الأعمال الحرة”، جراء دوافع أهمها “التعدد الفصائلي وضياع الفصائل الصغيرة”.

وأوضح الشاب “الشخص الذي شغل سابقًا قائد مجموعة في فصيله، أو قائد كتيبة، وجد الوضع بعد الانتقال إلى شمال سوريا مغايرًا عما كان عليه، فلم يجد اهتمامًا كالذي امتلكه في منطقته أثناء أعماله العسكرية فيها”.

كما كان لـ”التطفيش والمضايقة” الذي اتبعته الفصائل الكبيرة، من خلال الضغط على الفصائل الصغيرة الأخرى بشكل غير مباشر في خطوة لضمها لصفها دور رئيسي، أما السبب الثاني، من وجهة نظر علاء، والذي أدى إلى رد فعل عكسي للكثير من العناصر، “إدراكهم أن الأمر تحول من جهاد وقتال ضد النظام، إلى مصالح وتجاذبات سياسية”.

معارك وهمية وغياب التخطيط

شهدت الجبهات العسكرية لفصائل المعارضة السورية خلال الأشهر الخمسة الماضية، انحسارًا كبيرًا و”ضعفًا تخطيطيًا”، أمام القوى العسكرية لقوات الأسد والميليشيات الأجنبية والمحلية المساندة له، إذ سجلت عدة انسحابات من مناطق عسكرية لصالح قوات الأسد، كان أبرزها مدينة حلب.

متابعون للساحة الميدانية في سوريا عزوا هذا الانحسار والتراجع العسكري، إلى غياب التخطيط، وانعدام التنسيق بين الفصائل المقاتلة خلال المعارك الدائرة.

في حين يرى آخرون أن القوى الدولية المتحكمة بخط سير هذه الفصائل ووجهة معاركها، والمحكومة من خلال الحفاظ على التمويل المستمر والدعم بالذخائر والأسلحة الثقيلة والخفيفة، كان لها الدور الأكبر في تشتت هذه الفصائل، والسبب الرئيسي للتوجهات المتناحرة، والتي أسهمت بدورها في نفور عدد من المقاتلين منها، فـ”الأهداف اختلفت جذريًا عن سابقتها”.

تواصلت عنب بلدي مع القيادي في حركة “أحرار الشام الإسلامية”، حسام سلامه أبو بكر، للوقوف بشكل أوسع على أسباب ترك السلاح عند المقاتلين بعد الوصول إلى الشمال السوري، وأوضح أن “المقاتل الذي يصل إلى الشمال السوري يشعر بأنه سيستمر  في قتال النظام الذي هجره وحاصره، وأجبره على الخروج من أرضه، إلا أنه يتخوف من أن يجر إلى قتال داخلي يفيد النظام بشكل مباشر، ما يسبب له حالة نفسية تؤدي في بعض الحالات إلى ترك السلاح والجلوس والرغبة في الهجرة من البلاد نهائيًا”.

الشاب الحموي علاء أوضح سببًا آخر وراء تركه العمل العسكري، وهو “المعارك الوهمية وقلة التخطيط وارتباطها بأوامر دولية، إضافةً إلى تحول الساحة العسكرية إلى أداة في يد السياسيين”.

وأشار إلى أن “المعارك أصبحت أهدافًا سياسية للضغط على جهة معينة، ما يوجه نظر المقاتلين إلى المعارك على أنها كرت محروق يمكن التخلي عنه وعن أهدافه المرسومة من أجل المصلحة السياسية”.

البحث عن لقمة العيش وقوت اليوم

أسباب عدة ذُكرت لاتخاذ قرار ترك السلاح، والتوجه لأعمال أخرى، سواء داخل الأراضي السورية أو خارجها، لتكون الحاجة لتأمين المصروف اليومي اللازم للمعيشة اليومية من بينها، وخاصة في حال وجود عائلة وأطفال يحتاجون بشكل يومي لتوفير مستلزمات الحياة اليومية.

يتابع الشاب أحمد “الوضع المادي لا يقل أهمية عن الأمور المذكورة، فبعد الخروج من مدننا باتت المعيشة مكلفة، والإيجارات باهظة جدًا، خاصة  للمتزوجين، فالهم الوحيد للشاب البحث عن لقمة العيش، ومعاش المقاتل في مختلف الفصائل العسكرية بحدود الـ100$، هذا لا يكفي شيئًا”.

في حين أشار المقاتل السابق علاء “خلال سنوات الثورة الماضية استنفد أغلب المقاتلين كافة المقومات المادية التي تضمن لهم الاستمرار في العيش مع عائلاتهم، ما دفع المقاتلين للتخلي عن السلاح  واللجوء للعمل اليومي من أجل لقمة العيش”.

التخاذل عن “نصرة” المناطق المحاصرة

أبو علي الدمشقي، مقاتل سابق في بلدة خان الشيح بريف دمشق الغربي، عزا سبب تركه السلاح إلى “الصدمة التي تلقاها المقاتلون في بلدات الريف الدمشقي بفعل الخيانات والتخاذل من الفصائل المعارضة الأخرى”.

فـ”سقوط مدينة داريا في آب 2016 كان السبب الأهم، إذ إن الخيانات التي تزامنت مع دخول قوات الأسد وتسليم المناطق دون أي مقاومة كانت سببًا لترك المقاتلين لسلاحهم بعد الخروج منها”.

كما أن “الحرب الإعلامية التي اتبعها النظام داخل المناطق المحررة، في الترويج لفكرة انتهاء الثورة، كانت أحد الأسباب الرئيسية لذلك”.

القيادي حسام أبو بكر، أشار خلال حديثه “عند معاينتي لبعض الحالات من المقاتلين، وجدت أن  المقاتل يخرج من مناطق الحصار والضغط بشيء من الاندثار النفسي والمعنوي، ويأمل أن يصل إلى منطقة تكون فيها الحالة الثورية والحالة العسكرية أفضل مما كانت عليه في مناطق الحصار”.

إلا أنه “ينصدم إلى حد ما بالواقع الحالي، جراء حالة الاحتراب والاقتتال الداخلي والصراعات الفكرية بين الفصائل المقاتلة، الأمر الذي يجعله في حالة انكماش وتعب وأعراض نفسية، عدا عن شعوره بأنه مهدد كما هو الحال عند مقاتلي داريا، فقد تعرضوا لعدة اعتداءات أثناء وصولهم إلى مدينة إدلب”.

ولم يغفل المقاتل السابق أبو علي “اختلاف الفكر في المناطق الشمالية واقتتال الفصائل” والذي كان أول الأسباب المتعارف عليها بين المقاتلين القادمين حديثًا.

مقالات متعلقة

مجتمع

المزيد من مجتمع