عنب بلدي – مراد عبد الجليل
لم يكن سوق السيارات في سوريا بمنأىً عن الآثار الجانبية التي خلفتها الحرب المستمرة منذ سنوات، إذ تعرض لتجاوزات قانونية كبيرة وسرقات في ظل غياب الرقابة من قبل الأطراف المتنازعة.
ازدادت ظاهرة سرقة السيارات في دمشق إلى الضعف، بحسب ما صرح به قاضي غرفة الجنايات بمحكمة النقض، أحمد البكري، الأسبوع الماضي، مؤكدًا انتشار بيع السيارات بطرق غير قانونية عبر تزوير وكالات.
أسباب كثيرة وراء عمليات التزوير، منها بغرض الاحتيال، أو لعدم قدرة بيع السيارة بسبب غياب مالكها الأصلي المعتقل أو المغيب قسريًا أو المطلوب أمنيًا، ما يدفع بأحد أقاربه إلى بيعها، وفق مصطلح “على بردى”، الذي انتشر بشكل كبير بين تجار السيارات.
مصطلح قديم– جديد
“على بردى” مصطلح قديم في أسواق المستعمل السورية، لكنه اخترق سوق السيارات خلال الحرب، بحسب ما قاله خلدون، تاجر سيارات سابق في دمشق، والذي يعني شراء أي سيارة بصرف النظر عن مشكلاتها، أمنية أو مالية، بسعر يصل إلى 25% فقط من قيمتها الحقيقية.
وقال خلدون لعنب بلدي إن تجّار “على بردى” لا يتعاملون مع السيارات المسروقة لأنها من اختصاص “شبيحة” النظام، وإنما مع السيارات النظامية التي تشوب ملفّها المشكلات الأمنية أو المالية، وبالتالي لا يمكن بيعها أو “فراغها” (تسجيلها باسم المالك الجديد) بشكل نظامي في مؤسسة المواصلات، خاصة وأن ذلك يتطلب وجود مالكها الأصلي، إلى جانب ورقة “لا حكم عليه”.
هذه الأسباب تدفع أحد أقارب مالك السيارة لبيعها بسعر منخفض، عن طريق عقد خارجي بين البائع والمشتري يؤكد فيه معلوماته الشخصية لضمان أن السيارة غير مسروقة.
خلدون أكد أن المشتري يستطيع استخدام السيارة في دمشق كون أوراقها نظامية (الميكانيك وبطاقة الفحص)، لكن في حال تعرض السيارة لأي مخالفة حجز، لا يستطيع إخراجها لعدم وجود صاحب العلاقة الأصلي.
تاجر السيارات أكد أن أغلب السيارات التي تشترى بهذه الطريقة تباع في مناطق المعارضة، إلى جانب سيارات مسروقة من قبل عصابات تابعة لـ “شبيحة” النظام، بعد تهريبها عن طريق عناصر ينسقون مع الجانبين.
الشركة تلاحق سياراتها
في 2014، اشترى خلدون سيارة “بيك آب” من نوع “صيني شابا”، بـ 75 ألف ليرة سورية فقط، مع أن سعرها كان يبلغ آنذاك 350 ألف ليرة، من أحد إخوة المالك الأصلي الذي فُقد أثناء توجهه إلى درعا، ليبيعها بـ 125 ألف ليرة لأحد الأشخاص في منطقة عسال الورد بالقلمون الشرقي، لاستخدامها في تهريب المازوت إلى لبنان.
أما خالد محمد، مواطن في دمشق، فقد اشترى سيارة من نوع “شيري” بـ 50 ألف ليرة، في حين يبلغ سعرها الحقيقي أكثر من 600 ألف، من ابن صاحبها المعتقل.
وأكد محمد لعنب بلدي أن السيارة، إلى جانب عدم إمكانية بيعها قانونيًا لاختفاء صاحبها، يوجد عليها أقساط مالية للشركة ولم يعد ابن صاحبها يملك القدرة على دفعها، فلجأ إلى بيعها بطريقة “على بردى”.
وأكد خالد أنه استخدم السيارة لمدة سنة واحدة في دمشق، وعُرض عليه بيعها بمبلغ 100 ألف ليرة إلا أنه رفض.
وفوجئ المواطن بعد فترة وجيزة بقدوم مندوب الشركة في المنطقة (التل بريف دمشق)، وصادر السيارة باسم الشركة بحجة عدم دفع أقساطها.
تزوير وكالات
لم يقتصر بيع وشراء السيارات على طريقة “على بردى” فحسب، وإنما عمد بعض الأشخاص إلى تزوير وكالات لبيعها في المواصلات بشكل قانوني عن طريق محامين.
ضابط منشق عن قوات الأسد، رفض الكشف عن اسمه، قال لعنب بلدي إنه من أجل بيع سيارة والده المتوفى زوّر وكالة باسمه، إذ لم يتمكن من توثيق وفاته رسميًا في سجلات الحكومة لمشكلات أمنية، وبالتالي مايزال على قيد الحياة في الوثائق الرسمية.
وأكد الضابط أنه باع السيارة، من نوع “هونداي فيرنا”، بسعر مليون وخمسين ألف ليرة سورية، في حين كان يبلغ سعرها مليونًا و200 ألف ليرة.
التفاف على قرارات الحكومة
المحامي وسام عودة أكد لعنب بلدي انتشار تزوير الوكالات في بداية الثورة بشكل كبير، وخاصة في بيع السيارات، إذ كان أحد أقارب مالك السيارة يزوّر وكالة للمشتري الذي يذهب إلى المواصلات، ويسجل السيارة باسمه دون وجود “وكالة بيع”.
وسام أكد أن تزوير الوكالات دفع وزارة النقل في حكومة النظام السوري إلى إصدار قرار في 2012، يتعلق بآليات جديدة لنقل ملكيات السيارات عبر وكالات، إذ طلبت من السجلات في مكاتب الوزارة عدم تسجيل أو إفراغ أي آلية إلا بعد التأكد من صحة الوكالة، وذلك بالعودة إلى كاتب العدل والتأكد من رقم الوكالة وتاريخها.
إلا أنه يتم لجوء المحامين بعد ذلك إلى القضاء، ورفع دعوى أمام القاضي بطلب تثبيت السيارة باسم المشتري، بسبب وجود وكالة بيع (رغم أنها مزورة أصلًا)، فيقر القاضي الحكم بالتثبيت ويرفعه إلى المواصلات، التي يجب عليها تنفيذ الحكم مباشرة، وبالتالي تصبح السيارة باسم المشتري.
تعميم لوزارة النقل
هذه الحالات دفعت وزارة النقل إلى إصدار تعميم، في شباط العام الماضي، طلبت بموجبه عدم تسجيل أي آلية إلا بعد التحقق من صحة الثبوتيات الخاصة بها (شهادة جمركية وإجازة استيراد ووكالة).
وطلبت الوزارة أن يتم التحقق من صحة الوثائق المذكورة عبر مخاطبة الجهات المعنية والمصدرة لهذه الوثائق بالبريد النظامي واستلام الجواب بالبريد الرسمي منعًا لأي تزوير.
وكانت مديرية النقل في طرطوس أوقفت عمليات بيع وفراغ السيارات عبر وكالات، لأسباب تتعلق بـ “عملية تزوير واسعة”، في تموز العام الماضي.
وبالرغم من أن عقوبة التزوير في سوريا هي السجن لخمس سنوات على الأقل، إلا أن كثيرًا من التجار امتهنوها خلال السنوات الأخيرة، لغياب الرقابة وللضرورات التي كانت السياسات الأمنية سببًا رئيسيًا في ظهورها.