خطوط الفصل وقنوات الوصل في الشمال السوري
براء الطه
لن نبالغ في القول إننا في الأسطر الأخيرة من قصة التوغل التركي العسكري المباشر في الشمال السوري، وما كان لهذه القصة أن تكتب لولا الرعاية الروسية البحتة التي ألزمت جميع الأطراف بالخطوط التي رسمتها.
التصريح الذي صدر من وزارة الدفاع الروسية، والذي لفت إلى أن “القوات الحكومية السورية وصلت، نتيجة الهجوم على بلدة تادف، إلى الخط الفاصل مع تشكيلات الجيش السوري الحر، إذ تم التنسيق حول هذا الخط مع الجانب التركي”، يرسم بوضوح طبيعة معارك المرحلة المقبلة، وسيرها ويبيّن الجغرافيا التالية لجميع الأطراف.
يبدو للوهلة الأولى أن الخرائط متشابكة والأوضاع إلى مزيد من التعقيد، لكن طريقة تحرك الجيش، وأوضاع حلب الإنسانية سيكون لها الثقل الأكبر في تحريك الدفة بعكس هذا الاتجاه، يتضح ذلك بقراءة مبسطة لواقع الشمال السوري عمومًا والمنطقة التي سيطرت عليها “درع الفرات” خاصة، مضافة إليها مدينة الباب التي لن يستغرق السيطرة عليها زمن أكبر من أسبوعين، والتي ستبين مصير مشاركة القوات التركية أو من ينوب عنها في السيطرة على مدينة الرقة.
اختلف التكتيك العسكري للجيش السوري في هذه المعركة التي انطلقت من الجنوب الغربي لريف الباب، فكانت استراتيجية الجيش في السابق تعتمد على العزل والتطويق (تحويل المناطق لجزر منفصلة) يليها السيطرة، بينما في هذه المعركة اعتمد على الطريقة “التقليدية” أو الكلاسيكية في التقدم، ليصار الى قطع طريق إمداد التنظيم عن مدينة الباب.
كان الهدف من ذلك هو قطع الطريق لأي محاولة تركية للسير باتجاه ديرحافر بعد الباب وتشكيل جبهة صد لأي محاولة لهذا التقدم أو الاختراق باتجاه الجنوب، هذا التقدم لن يكفي لمنع المحاولات التركية أو لتسكين هذه الجبهة، لذك يبقى أن يتابع الجيش تقدمه إلى الشمال الشرقي لكويرس، ليصل هذه المنطقة مع حدود مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية في “ميل ويران” و”أبو منديل”، وكلتا المنطقتين تبعدان حوالي 25 كيلومترًا عن تادف، إضافة لتحريك محور كويرس باتجاه ديرحافر، وأهمية هذا المحور تكمن في ضرورته الملحة لتأمين مياه الشرب لمدينة حلب بعد أن أوقف التنظيم ضخ المياه القادمة من نهر الفرات للمدينة. ناهيك عن أن هذا المحور يفتح الطريق باتجاه مسكنة وتاليًا الطبقة، وبذلك يكون الجيش سيطر على أهم المدن للتنظيم في الشمال، والتي تشكل عقد ربط للعديد من المناطق، إضافة إلى مدينة الطبقة التي تعد أهم مدينة فعلية في محافظة الرقة، وستكون عملية السيطرة عليها في غاية الحساسية والدقة.
أما بالنسبة لقوات درع الفرات المدعومة بالقوات التركية فلن يكون لها سوى التفاهمات السياسية مع الجانبين الأمريكي والروسي، لتحقيق أي سيطرة جديدة، إن كان في منطقة منبج أو حتى في محافظة الرقة.
وحتى لو لم يقطع الجيش الطريق على هذه القوات من جنوب شرق الباب فإن توغلها باتجاه الرقة سيواجه بالكثير من الأخطار والمعوقات، فالحديث عن التقدم باتجاه الرقة انطلاقًا من الباب يعني التوغل لمسافة 220 كيلومترًا أو تزيد، وهذا يجعل من خطوط الإمداد طويلة جدًا في بيئة مفتوحة وهو ما سيعرضها لخطر الهجمات المتكررة والدائمة في محيط أقل ما يوصف بأنه غير آمن.
هذا من ناحية، ومن الناحية الأخرى فإن الأتراك ليسوا بوارد فتح جبهة قتال حقيقية مع الكرد، لن تحقق لهم سوى الاستنزاف الجدي، مع رفض أمريكي- روسي. ما يريده الأتراك من الشريط الحدودي هو جعله قاعدة انطلاق متقدمة لحربهم ضد الكرد وليكونوا شريكًا أساسيًا في عملية التسوية المستقبلية في سوريا، عبر الفصائل والقوى التي يدعمونها.
لذلك وفي حال ظهر التفاهم على العلن سيكون باب الدخول للرقة هو “بوابة تل أبيض”، بواجهة عربية صرفة، وربما يكون ذلك خلال الأشهر القليلة المقبلة.
ما نؤكد عليه هنا أنها ليست المرة الأولى التي تتعرض فيها هذه المنطقة لمحاولة التمزيق والتقسيم، لكن ما يعود لجمع شتاتها هو حاجة كل جزء منها للآخر، وربما قدرها.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :