الرقة.. مدنيون ينزحون وآخرون يحفرون الخنادق

  • 2017/02/19
  • 12:59 ص
منطقة الأماسي في الرقة - نيسان 2013 (عنب بلدي)

منطقة الأماسي في الرقة - نيسان 2013 (عنب بلدي)

برهان عثمان – أورفة

“لا كثير من الكلام عند الرقيين اليوم، فتلال الهموم فاقت كل الحروف، والخوف أصبح أكبر من الكلمات التي تعبر عنه”، يقول الشاب عمر، ويعمل سائق تكسي في مدينة الرقة، الذي عرض سيارته ومنزله للبيع مؤخرًا، ساعيًا إلى الخروج من المدينة، مع اقتراب شبح المعارك التي تهدف إلى طرد تنظيم “الدولة” منها.

يخشى عمر من الدمار الذي سيلحق بمدينته، معتبرًا أن القصف لا يفرق بين مدني وعسكري، ويظنه سيزداد في الأيام المقبلة، مشيرًا إلى أن الكثير من الأهالي، بدأوا يستعدون للرحيل، “رغم حزنهم وقلقهم على مصير منازلهم، فالضربات الجوية أخذت تطال المدنيين بشكل متزايد وتركز على المدينة”.

خوف الأهالي جاء من منطلق آخر، إذ يتحدث بعضهم إلى عنب بلدي عن تكثيف تنظيم “الدولة” الإجراءات الأمنية داخل المدينة، ما يشير إلى نية التنظيم خوض حرب طويلة الأمد، وفق عمر، “بدأ عناصر التنظيم بحفر الخنادق وعشرات الأنفاق داخل المدينة، بينما جهز الطرق بشكل جيد ورفع السواتر الترابية داخل المدينة”.

عسكرة المدينة

مظاهرعسكرة المدينة، وإن كانت موجودة بشكل أقل في وقت سابق، إلا أنها “الأخطر” حاليًا، وفق عمر، ويرى أن ذك يعطي مسوغًا للطيران الحربي، أيًا كانت الجهة التي يتبع لها، لقتل المدنيين، “فالسواتر وضعت أمام منازلهم، وحفرت الخنادق في الشوارع، مجهزة بقساطل مفتوحة الأطراف، كما غطت الشوادر بعض المناطق، في حين أجبر التنظيم أصحاب بعض المحال التجارية، على وضع سواتر رملية أمام واجهاتها”.

يتحدث بعض الأهالي، ممن استطلت عنب بلدي آراءهم، عن تململ من فرض التنظيم ضرائب للمساهمة في تكلفة رفع السواتر الترابية ضمن مناطقهم، من خلال المطالبة بمبالغ مالية تتراوح بين 20 و 30 ألف ليرة سورية، إضافة إلى الاستعانة بعمال مدنيين للمساعدة في رفعها وحفر الخنادق، ومنحهم مقابلًا ماديًا بين خمسة إلى عشرة آلاف ليرة، عن كل متر يحفره.

كل ما سبق يصفه عمر بأنه بداية لعسكرة الأحياء والأهالي، كسياسة جديدة ينتهجها التنظيم، الذي يريد من الرقة منطقة عسكرية، لافتًا “هذه ليست حربنا ولا ناقة لنا فيها ولا جمل، لكنها ستكون ضدنا، وأخاف أن نصبح وقودها في الأيام المقبلة”.

مخازن سريةتحت الأرض

إجراءات التنظيم بدت واضحة للأهالي، ويتحدث بعضهم عن مخازن “سرية” تحت الأرض، جهزها التنظيم بمولدات الكهرباء، بهدف تخزين الحبوب والمؤونة، إضافة إلى حفره آبارًا لضمان الحصول على المياه، ويقول أبو هيثم (59 عامًا)، مدرّس سابق في المدينة، إنه من المؤكد أن الأهالي لن يكون لهم نصيب من هذا المخزون، المجهز أصلًا لعناصر التنظيم، “بينما لا يحصل الناس إلا على المزيد من التضييق”.

جهاز “حسبة” التنظيم، أعلن في الأيام القليلة الماضية، عن وجوب العودة إلى دواوين التنظيم قبل الخروج من المدينة، للحصول على “إذن سفر”، واستصدار أوراق رسمية ممهورة بختم التنظيم، تسمح لحاملها التنقل والخروج من المدينة، “ولكن فقط لمن لديه سبب يقنع عناصر التنظيم”، وفق “أبو هيثم”.

ورغم سعي الكثيرين للخروج من الرقة، إلا أن البعض يرفض حتى اليوم الخروج من منزله، وأحدهم أبو هيثم، الذي رفض في وقت سابق، الخروج إلى دمشق لتسيير أوراق تقاعده، خوفًا من عدم قدرته على العودة إلى الرقة، كما يشرح لعنب بلدي.

يتساءل المدرّس المتقاعد “من سيسقي أشجار الدار إن رحلت؟”، متابعًا حديثه “حتى لو دمروا منازلنا فسنبني خيامًا فوق أنقاضها وسنبقى هنا”، ويشير إلى أن “الجميع يقولون إنهم سيخرجون من المدينة، ولكن عندما تسألهم إلى أين يصمتون ولا يجيبون”.

وتوافق المرأة الستينية لطفية، من حي المشلب في المدينة، ما يتحدث به أبو هيثم، موضحةً “رغم تشقق جدران منزلي إثر غارة قريبة منه، ومع الانقطاع المتكرر للماء والكهرباء، لا أستطيع تركه والذهاب إلى المجهول”.

“أولادي منتشرون في مناطق مختلفة، ويطالبونني بشكل متكرر بالخروج”، تضيف لطفية، مشيرةً “أريد الموت هنا تحت سقف منزلي”، أمنية يائسة، تبقى معلقة بتطورات الأوضاع الميدانية في المدينة ومحيطها.

لا إحصائية معلنة لعدد المدنيين داخل الرقة اليوم، إلا أن تقديرات الناشطين تحدثت عن 250 ألفًا، ويشبّه بعض الأهالي الوضع الحالي في الرقة بمعركة الموصل، معتبرين أنها ستكون أكثر صعوبة في ظل تجهيزات التنظيم، بينما يستذكر آخرون ما جرى في مدينة عين العرب (كوباني)، التي شهدت دمارًا عقب انتهاء المعارك ضد التنظيم فيها، مطلع عام 2015.

مقالات متعلقة

مجتمع

المزيد من مجتمع