حلب في عين الخطر الإيراني

  • 2017/02/19
  • 12:32 ص
حذام زهور عدي

حذام زهور عدي

حذام زهور عدي

لم تعد أساليب سياسة ملالي إيران خافية على متابعيها أو على من تُمارَس عليهم، فقد تميزت بالصبر وطول النفس الذي يسمح لهم بتجاوز أي عثرة أو فشل يواجهونه في مرحلة ما من مراحل مسيرتهم والالتفاف عليها، إما بالجعجعة الإعلامية التي كرسوا أموالًا غير قليلة من أجلها، أو بالعمل من خلال خطة بديلة كانوا قد رسموها لمعالجة تلك المواقف، أو بكليهما معًا وهو الغالب لديهم.

وأغلب الظن أنهم عندما دعوا بوتين إلى التدخل العسكري في سوريا كانوا يعلمون أن له مصالح فيها، وأنه سينافسهم يومًا ما وقد يصطدمون معه في مرحلة ما من تلك المسيرة، لكن ما كان يهمهم وقتها هو تحالف يُنهي وضع الثورة المسلحة للسوريين، إذ لم يستطيعوا بقضهم وقضيضهم تحقيق انتصار عليها ووضع حدٍ لخسائرهم في معاركهم كلها.

واليوم لاحت لحظة الاختلاف بينهم وبين السياسة الروسية، وخاصة بعد سقوط حلب، إذ لم يسمح الروس، كما قيل، لميليشيات الملالي بالمهرجانات التي يستفزون بها المغلوب على أمرهم بقوة السلاح، ولا بسرقة منازلهم وتعفيشها على طريقة التشبيح السورية… لا أظن أن الروس فعلوا ذلك تعففًا وإنسانية منهم، بل محاولة لاستمالة من تبقى من الحلبيين بالمدينة وتكريس نفوذهم فيها.

لم يُعجب قوى الملالي ذلك الموقف، لكنهم لا يريدون إعلان أي خلاف قد يوصلهم إلى فك التحالف بينهم وبين بوتين، فتحالفهم معه أهم بكثير من مصالحهم الآنية في حلب أو سوريا، إنه الضامن لمصالحهم على المستوى الدولي، لكنهم لن يستسلموا لمشيئته فلديهم خططهم التي وضعوها منذ تحالفهم السوري معه لمعالجة مثل هذه الحالة، لقد استطاع أن يوقفهم عسكريًا لكنه لن يستطيع إيقافهم اجتماعيًا، فليس للروس الحيثيات التي تسمح لهم بالتغلغل داخل المجتمع الحلبي وبالتالي إنشاء قواعد اجتماعية تحقق لهم ما عجزت أسلحتهم ومقاتلوهم عن تحقيقها. ولا سيما أن النظام الأسدي ترك كثيرًا من المفاتيح الاجتماعية والثقافية بأيديهم وقد استطاعوا أن يفتحوا بها كثيرًا من الأبواب المغلقة سابقًا، ونظرة تأمل لما جرى ويجري في حمص ودمشق وبعض الأرياف السورية كفيلة بالدلالة على نجاحهم النسبي في هذا الجانب.

وهكذا كانت سرعتهم في تنفيذ الخطة “ب” لحلب مذهلة، فما إن صمت صوت الرصاص حتى سارعت أجهزتهم الدعوية إلى فتح المدارس، من المراحل الأولى وحتى الثانوية، ولم يمر شهر على “تحرير حلب” حتى كانت أكثر من سبعين مدرسة قد أصبحت عاملة في حلب الشرقية بتمويل إيراني وإدارة إيرانية ومناهج إيرانية، وأساتذة من المحتاجين الحلبيين -وما أكثرهم- موجودين مع أساتذة من حزب الله، للتعليم في تلك المدارس. والمضحك المبكي أنهم يجمعون أهالي الطلبة ويُحاضرون فيهم ليتبرؤوا من القصف الروسي وليلبسوا أمامهم ثوب الحمام الوديع ويُخبروهم بأن سياسة السيد الولي الفقيه كانت تريد حصارهم فقط ولا تريد تدمير منازلهم وقتلهم تحت القصف كما فعل الروس! بمعنى آخر كان الولي الفقيه يريد قتلهم بالموت الرحيم وليس بقسوة القصف الروسي، كما فعل ويفعل في أماكن أخرى، وأن الولي الفقيه أرحم بهم من آبائهم وأمهاتهم، وأنهم مع المظلومين في أي مكان من العالم، مكلفين من الإمام الغائب برفع المظلومية عن أي فئة تعاني من الظلم.

وهكذا يتنافس الروس والملالي في محاولة لبس القناع الأبعد عن التوحش الذي أذاق السوريين في سوريتهم مر العذاب، وكأن السوريين أقل ذكاء من معرفة حقيقة ما يجري، وكأنهم لم يدفعوا دماء أطفالهم وخراب منازلهم وضياع أسرهم بسبب ما وقع عليهم من مظالم.

وعلى عادة سياسة الملالي فهم يُفعّلون حصة “المؤلفة قلوبهم”، التي أوقف تنفيذها الخليفة الثاني عمر بن الخطاب، بأن يُقدموا المعونات المالية للمحتاجين شرط الولاء لوليهم الفقيه، كما يُقدمون المنح الدراسية المجانية مع راتب شهري لمن يريد من السوريين، وهذا ما أعلنوه في حلب، لمن يرغب بمتابعة دراسته الجامعية في أي فرع منها، أو دراساته العليا، لكن فقط على من يقبل المنحة أن يلتحق بدورة لغة مدة زمنية محددة يدرس خلالها المذهب الجعفري ويتبنى طريقة الولي الفقيه في فهمه.

إن استغلال الملالي لحاجة السوريين المادية والعلمية، بعد أن دمروا منافذهم الاقتصادية ومدارسهم وأفسدوا جامعاتهم بالتعاون المقصود مع النظام الأسدي، من أشد الأخطار على المجتمع السوري، فحركة التشييع التي نجحت قليلًا سابقًا هي الآن قابلة للنجاح أكثر بسبب الظروف المستجدة، والتشييع الذي يعمل الملالي له ليس مسألة تبديل معتقدات السوريين فقط، إنما معناه الواضح تمامًا إلحاق المتشيعين سياسيًا بالولي الفقيه وبالتالي الهيمنة الإيرانية التامة على القرار السوري، كما هيمنوا على القرار العراقي الذي ما عاد باستطاعة أي سياسي عراقي اليوم تجاهله، وهم يعلمون تمامًا أنهم عندما يملكون قاعدة اجتماعية واسعة فإن أحدًا لن يستطيع التأثير على إضعاف تلك الهيمنة، حتى لو أجبروا عسكريًا على سحب ميليشياتهم وحرسهم الثوري وقواتهم كلها.

ذلك هو الخطر الذي يواجهه السوريون، والحلبيون خاصة، اليوم، والذي لا يقل عن خطر إبادتهم وتشريدهم وكوارثهم الأخرى، فهو إلغاء لتاريخهم ومواطنتهم ووطنهم وحرية قرارهم، إنه الخطر الذي يسمح للولي الفقيه أن يقف مفاخرًا بما أنجزه بإلحاق العراق ولبنان وسوريا واليمن… بالهيمنة الإيرانية وتحويل حكامها (ساخرًا منهم، وهم يستحقون أكثر من تلك السخرية) إلى مستشارين له كما قال.

فهل تستطيع السياسة الروسية بالقصف المتوحش الوقوف بوجه تلك السياسة؟ هذا إن صحت الإشاعات وأرادت ذلك، أو هل باستطاعة المعارضة السورية بشقيها العسكري والسياسي الإعلامي إيقاف التمدد الاجتماعي للملالي الإيرانيين؟

أم أن الشباب السوريين كفلاء بإيجاد الوسائل اللازمة لإنقاذ المجتمع الحلبي من مكر الملالي وخبثهم واسترجاع الوطنية السورية والولاء لسوريا وسيادتها فقط لاغير؟ وهل ستشهد سوريا ثورة جديدة يقودها أولئك الشباب الذين يواجهون الخطر وجهًا لوجه، فالحاجة أم الاختراع، وسوريا الولّادة لن تعدم أمثالهم.

مقالات متعلقة

رأي

المزيد من رأي