د. أكرم خولاني
يشكل تأخر الطفل في الكلام مشكلة تؤرّق الكثير من الأمهات، فتبدأ بمقارنته بمن حوله من أطفال أو بإخوته الأكبر.
لكن على الرغم من أن عملية تطور الكلام والنطق عند الأطفال ثابتة تقريبًا، إلا أن الأعمار التي يبدؤون فيها الكلام تختلف من طفل لآخر، لذلك على الأم ألا تقارنه لا بإخوته ولا بأبناء العائلة، كذلك عليها أن تتعرّف على جدول تدرّج الكلام عند الصغار لتستطيع تقييم طفلها ومعرفة هل لديه فعلًا تأخر في الكلام أم لا.
ما المقصود بتأخر النطق
هو أن الطفل لا يستخدم كلمات ذات معنى متناسبة مع عمره.
وهو يختلف عن التأتأة، والتي هي اضطراب في الانسياب الطبيعي لنظم الكلام، ويتصف بحدوث تكرار الأصوات والمقاطع اللفظية أو التوقفات غير الطبيعية أثناء الكلام، وتحدث بسبب وراثي أو عادة أو نتيجة صدمة أو غنج.
كما يختلف عن اضطراب اللفظ، وهو ما يسمى “اللدغ”، وعادة ما يكون بحروف الراء أو الجيم أو الشين أو السين أو الزاي، ويحدث نتيجة ضعف في عضلات اللسان أو الإصابة بشفة الأرنب أو انشقاق شراع الحنك.
ويمكن وصف الطفل بأن لديه تأخرًا في النطق إذا كان ينطق أقل من عشر كلمات وهو في عمر 18-20 شهرًا، أو أقل من 50 كلمة وهو في عمر 21-30 شهرًا
ما أسباب تأخر النطق عند الطفل؟
تأخر النطق الأولي:
لا يعرف السبب الحقيقي لتأخر النطق في هذه الحالة، إلا أن الأطفال المصابين به غالبًا ما يكون لديهم تاريخ عائلي لهذه المشكلة، كما أن وزن هؤلاء الأطفال عند الولادة كان أقل من 85٪ من الوزن الطبيعي، أو كانت أسابيع الحمل أقل من 37 أسبوعًا.
تأخر النطق الثانوي:
ويحدث نتيجة وجود خلل ما عند الطفل، وأهم الأسباب:
- اللسان المربوط: حيث يولد الطفل ولسانه مربوط إلى أرضية الفم بطية من النسيج المخاطي مما يحد من حركته، وهذا يؤدي إلى صعوبة في نطق بعض الأحرف مثل اللام والراء والأحرف الصوتية الساكنة.
- نقص في التحفيز: بسبب عدم التحدث كثيرًا مع الطفل، كأن يجلس طويلًا أمام التلفاز دون أن يتكلم معه أحد، فالتلفاز لا يعلم الكلام لأنه ليس تفاعليًا.
- ضعف في السمع: سواء بشكل خلقي أو نتيجة التهابات الأذن المتكررة، فمن الطبيعي ألا يتكلم الطفل إذا لم يكن يسمع.
- أسباب نفسية: بسبب تخويف الطفل باستمرار، أو تجاهله لفترات طويلة، أو حزنه من فقد أحد أفراد العائلة، وحتى لو كان صغيرًا، حيث يدرك الصغار جيدًا اختفاء الأشخاص المحبوبين من محيطهم.
- تعرض الطفل لأكثر من لغة في سن صغيرة: فمثلًا إذا كان للطفل مربية أجنبية، أو كان الأبوان من جنسيتين مختلفتين، أو أن الأسرة تعمل في بلاد الغربة، كل ذلك يؤدي إلى دخول لغتين إلى عقل الطفل وسمعه، وهذا قد يثير اضطرابًا في تطور اللغة لديه.
- نقص في الفهم والذكاء: إذا كان معدل الذكاء عند الطفل منخفضًا أو كان مصابًا بالتخلف العقلي، كما هو الحال عند المصابين بالشلل الدماغي أو متلازمة داون (المنغولية).
- بعض الاضطرابات النمائية الشاذة: كمرض التوحد Autism: ولكن هذا لا يعني أن الطفل إذا تأخر في الكلام فهو مصاب بالتوحد، بل إن الطفل المصاب بالتوحد قد يتأخر في الكلام.
متى تجب مراجعة الطبيب؟
العديد من الأطفال الذين يتكلمون في عمر متأخر لا يعانون من مشاكل صحية، وقد لا يبدؤون الكلام حتى يبلغوا الثانية أو الثالثة أو الرابعة من العمر، ولكن عندما يبدأ عندهم النطق تتطور مهاراتهم اللغوية بسرعة، ولا يكون لديهم أي من المشاكل الطبية السابق ذكرها، ويكون تأخر النطق لدى هؤلاء مرتبطًا بمراحل نموهم وليس بمرض حقيقي.
ولكن يجب مراجعة الطبيب في الحالات التالية:
- مع بلوغ عمر 15 شهرًا لا يستطيع طفلك فهم كلمات بسيطة مثل “باي باي” أو “الحليب”.
- مع وصول الطفل لعمر 16 شهرًا ولا يستطيع استخدام كلمتين أو ثلاث.
- إذا بلغ الطفل عمر 21 شهرًا ولا يستطيع فهم واتباع التوجيهات البسيطة مثل “تعال هنا”.
- عند بلوغ الطفل عامين ومايزال يستخدم أصواتًا غير مفسرة ولا تحتوى كلمات.
- عند بلوغ الطفل عامين ولا يستطيع الإشارة إلى أجزاء جسمه المختلفة ومعرفة أسمائها.
كيف يتم العلاج؟
من الضروري إجراء فحص بدءًا من السنتين والنصف من العمر، فإذا وجد أحد الأسباب العضوية التي ذكرناها يتم علاج السبب ويتحسن النطق تدريجيًا بعد ذلك، أما إذا لم يكن هناك سبب عضوي فيتم العلاج وفق المحاور التالية:
- المحور النفسي: وذلك بتقليل الأثر الانفعالي والتوتر النفسي عند الطفل عن طريق تنمية شخصيته ومحاولة بناء ثقته بنفسه بكسر حاجز الخجل والشعور بالنقص، ويقوم بذلك اختصاصي الأمراض النفسية عند الأطفال.
- المحور الكلامي: عن طريق التدريب على طريقة النطق الصحيحة بمساعدة اختصاصي النطق.
- المحور البيئي: وذلك بمحاولة شغل الطفل ببعض الأنشطة الاجتماعية مع أقرانه ممن هم في سنه أو أكبر منه.
- المحور الدوائي: بإعطاء بعض الفيتامينات والأدوية المنشطة للجريان الدموي في الدماغ (مثل بيراسيتام).
وفي حالات اضطراب اللفظ يتأكد الطبيب ما إذا كان بإمكان الطفل نفخ خديه أو الصفير أو زم شفتيه لنفي وجود ضعف عضلات، ويعاين عضلات اللسان الخاصة بالكلام، فإذا كان اللدغ بحروف الجيم والشين والسين والزاي، يبدأ علاجها في سن الخامسة لأن لفظها يتطلب دقة، أما مشكلة اللدغ بحرف الراء فتعالج بعد سن الثامنة لسبب بسيط وهو أن هذا الحرف في حاجة إلى أن تكون عضلة اللسان قوية للفظه بشكل سليم.
كيف يمكن وقاية الطفل من تأخر النطق؟
- يجب التحدث إلى الطفل بشكل منتظم من بداية السنة الأولى من العمر، فعندما يصدر الطفل أصواتًا لا معنى لها تحدد له الأم معنى هذه الأصوات، فمثلًا عندما يقول “ابا” تقول له “بابا”، ويؤدي تفاعل الأهل مع هذه الأصوات وتحديد معناها إلى بقاء الصوت، فيما تختفي الأصوات التي لا معنى لها.
- أيضًا يجب اللعب مع الطفل بأصوات بسيطة (مثل أن تمسك سيارة وتقول وووووو)، وإدخال الكلمات مع الإشارات (مثل نو نو أو لا لا مع حركة يدك عند تحذيره من شيء خاطئ، أو قل باي مع حركة توديع باليد)، واستخدام بعض الأصوات المعروفة مثل “هم” للطعام، “مبو” للشرب.. إلى آخره..
- التحدث أمام الطفل، فكلما سمع الطفل كلامًا واضحًا وصحيحًا تحسن نطقه وتطور.
- الابتعاد عن نقد الطفل أو السخرية من طريقة نطقه، فهنا يحس الطفل بالخيبة التي تفقده حسن النطق والثقة بالنفس.
- على الأهل ترديد أسماء الأشياء التي يستخدمها الطفل بأسمائها الحقيقية وليس بما يسميها الطفل حتى يتعود على سماعها ويبدأ في تكرارها، فمن الضروري ألا يجاري الأهل طفلهم في نطقه الخطأ (أي التحدث معه بلغة الـ Baby talk)، مثلًا إذا قال الطفل “توتولا” على الأم أن تعيد وراءه “شوكولا” شرط ألا تقول له “لا لماذا تقولها هكذا وعليك نطقها هكذا” وإنما تكرر ما قاله بطريقة تنبهه إلى اللفظ الصحيح مثلا “آه تريد أن تأكل شوكولا”.
- تجنب ترك الطفل فترات طويلة أمام التلفاز، وتقليص الألعاب التي تتطلب اللعب وحده لا سيّما الألعاب الإلكترونية.
- توفير ألعاب تتطلب المشاركة مع الآخرين، وإتاحة الفرصة للاختلاط مع غيره من الأطفال، وبخاصة من يكبرونه سنًا، مع ملاحظة علاقته معهم لمنع أي سخرية قد تؤدي إلى خلخلة ثقته بنفسه.
- على الأم أن تحكى لطفلها قصصًا وحكايات قصيرة، مع خلق مجال له كي يحكيها بأسلوبه مما يزيد لديه الحصيلة اللغوية ويقوي خياله.
- الابتعاد عن المربيات الأجنبيات حتى لا يتسبب ذلك في حدوث اضطراب لغوي.
- المتابعة مع طبيب أطفال منذ ولادة الطفل لمتابعة أي تطورات أو تغيرات عامة على صحته.
كيف يتطور الكلام لدى الطفل حسب عمره؟
هناك جدول زمني تقريبي لتطور الكلام لدى الطفل، مع ملاحظة أن الذكور يميلون إلى إظهار مهارات اللغة بشكل متأخر قليلًا عن الإناث:
- في الأسابيع الأولى بعد الولادة: يكون البكاء هو الطريقة الوحيدة للتعبير.
- بدءًا من الأسبوع السادس: يبدأ الرضيع بإصدار أصوات بسيطة جدا مثل “أه ه ه” أو “أوو” وذلك عندما يرى أشخاصًا.
- بعمر 2-3 أشهر: يبدأ في الابتسام لأمه.
- بعمر 4-6 أشهر: يضحك بصوت عال، يصدر أصواتًا بسيطة مثل “آ” أو “با” أو” غوو”، كما يتجاوب عندما يسمع اسمه.
- بعمر 7-9 أشهر: يصدر أصواتًا مختلفة ويرغي ويكرر صوتيات مختلفة مثل “مااا مااا مااا” و”باااااا” و”دااا” ويمكن أن ينطق بكلمات مكونة من جزأين مثل “ماما” و”دادا” دون أن يقصد أحدًا بهذه الأصوات.
- بعمر 10-14 شهرًا: ينطق الرضيع أول كلمة قاصدًا معناها بالفعل، فمن الممكن أن يقول “با” وهو يقصد والده بالفعل، وعادة ما يعقب الكلمة الأولى بضع كلمات أخرى.
- بعمر 12-15 شهرًا: يجب أن يبدأ الطفل الاستجابة للتوجيهات المختلفة مثل “نم، اشرب، قف”.
- بعمر 18 شهرًا: تكون محصلة الطفل اللغوية 10 كلمات على الأقل يستطيع نطقها، وبعدها تزداد الحصيلة اللغوية للطفل بشكل كبير.
- بعمر 24 شهرًا: يكون الطفل قادرًا على تكوين جمل من كلمتين، غالبًا ما تتكون من اسمه وكلمة أخرى بقصد الطلب مثل “أنا نيني” أو “ماما السيارة”.
- بعمر 30 شهرًا: تكون حصيلة الطفل اللغوية 50 كلمة على الأقل.