الصوت الذي بعث فينا الحنين لأحبائنا، والموسيقى التي شاركتنا مناسبات عدة، والكلمات التي انتظرناها كثيرًا لتُسمع العالم شكوانا، جاءت مجتمعةً في إذاعاتٍ أدمنّا الاستماع لبثها.
دخلت الإذاعات حياتنا قبل التلفاز وتكنولوجيا الإعلام الحديثة، وتعلق المستمعون بمذيعين معينين وبرامج شكلت جزءًا من ذاكرتهم وثقافتهم.
يحتفل العالم بيوم الراديو العالمي في 13 شباط من كل عام، وعادةً ما يتم اختيار شعار لليوم من كل عام، مثل تمكين المرأة، الشباب، مشاركة الرجل والمرأة والإذاعة للكوارث والأزمات.
اختير لهذا العام شعار “أنتم الإذاعة” لإبراز دور الجمهور فيما تقدمه الإذاعات وتأثيرهما ببعضها، وبدأ الناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي مشاركة المناسبة، واسترجاع ذكرياتهم بهاشتاغ #يوم_الراديو_العالمي.
فكتب الإعلامي السوري مهدي الناصر، عبر صفحته في “فيس بوك”، إنه “رغم انتهاك المايك من قبل بعض المؤسسات الإعلامية الجديدة واختلاف المعايير لانتقاء المذيع.. إلا إنه يبقى بيني وبين المايك قصة عشق لا تنتهي.. واذا غبت عنه كم يوم أشتاق له”.
واستذكرت الإعلامية التونسية، لميا المقدم، أيام علمها مع إذاعة “هولندا العالمية”، عبر صورٍ تذكارية نشرتها في “فيس بوك”.
تاريخ الراديو
يطلق على الإذاعة كلمة “راديو” المشتقة من كلمة لاتينية وهي “راديوس” وتعني نصف قطر، وفيها كناية عن شكل الموجات الصوتية التي تنتشر بشكل دائري في الجو.
وتوصل العالم الإيطالي جوليلمو ماركوني إلى فكرة استخدام الموجات الكهرومغنطيسية في إنتاج الإشارات الصوتية لمسافات بعيدة، وظل ماركوني يطور أبحاثه ودراساته حتى توصل أخيرًا إلى اختراع الراديو.
أول بث إذاعي تجريبي في العالم كان عام 1910، في مدينة نيويورك الأمريكية، بنقل حفل غنائي للمغني الشهير، إنريكو كاروسو.
وكانت الولايات المتحدة الأمريكية هي أوائل المحطات الإذاعية، التي بدأت بثها التجريبي في 1916 ثم انطلقت بالعشرينيات كمحطات منتظمة البث.
“صوت الشعب” في سوريا يتوقف
تعتبر إذاعة “دمشق” أول إذاعة في سوريا، انطلقت عام 1947، وتتبع للهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون. لتنتطلق إذاعة “صوت الشعب” في العام 1979، ببث مدته ثماني ساعات، على فترتين.
وفي عام 1998 أصبح إرسال “صوت الشعب” متواصلًا لمدة 12 ساعة، وفي 2012 مددت الفترة لأربع ساعات إضافية، ليصبح من السادسة صباحًا حتى العاشرة مساءً، وعام 2013 أصبح بثها 24 ساعة.
واستمر بث “صوت الشعب” لهذا العام، حتى توقف في بداية الشهر الأول من العام جاري بقرار من وزارة الإعلام.
وعزا وزير الإعلام ذلك إلى عدم وجود قدرة مالية تكفي لكل التكاليف من مستلزمات وكادر، “ولا مردود مالي منها”.
إذاعات “وطنية” في سوريا
انطلقت إذاعات جديدة في سوريا، واختلفت نسب متابعة كل إذاعة بحسب المحافظات التي يصل إليها بثها.
ومن بين الإذاعات السورية التي لا تزال تبث فيها، إذاعة “شام إف إم”، و”ميلودي إف إم”، و”صوت الشباب”، و”إذاعة دمشق”، و”نينار إف إم”، و”فن إف إم”، وغيرها.
ويعتبر النظام السوري هذه الإذاعات “وطنية”، كونها تواليه بشكل صريح أو غير مباشر، ولها محطات ومكاتب في المناطق الخاضعة لسيطرته.
تعتبر إذاعة “شام إف إم” من أكثر الإذاعات متابعة من قبل الجمهور في دمشق، وهي موالية للنظام السوري بشكل صريح.
كم عدد الإذاعات في سوريا حاليًا؟
تبث حاليًا 67 إذاعة في سوريا، نشأت 42 منها عقب الثورة السورية، بحسب دراسة نشرها معهد “WEEDOO” في تشرين الثاني 2016، وهو معهد المتخصص في قياس وصول الإعلام، والتحليل وصياغة الخطط.
وبحسب الدراسة، تبين الوقائع قوة كبيرة نسبيًا من حيث مساحة البث على موجات “FM”، للإذاعات التابعة للفصائل العسكرية، سواء تلك التابعة للنظام السوري أو لحلفائه، كإذاعة “صوت الشباب” وإذاعة “دمشق” التابعتين للنظام السوري، وإذاعة “النور” التابعة لـ “حزب الله” اللبناني.
أما على جانب المعارضة، فتنشط إذاعاة تابعة للفصائل كـ إذاعة “نور الإسلام” التابعة لـ “جيش الإسلام” في غوطة دمشق الشرقية، وإذاعة التحرير التابعة لـ “حزب التحرير” في الشمال السوري، وإذاعة “دعاة الجهاد” التابعة لفصيل فتح الشام ” جبهة النصرة سابقًا”، أو إذاعة “روجافا” التابعة لوحدات حماية الشعب في شمال غرب سوريا.
إذاعات سورية تحاول إحداث خرق
مع انطلاقة الثورة السورية، شهدت البلاد طفرة إعلامية، فتأسست صحف ومجلات وإذاعات، اتخذت منحى مغايرًا للسائد سابقًا في سوريا، إما بمعارضة النظام السوري، أو بمحاولة إحداث خرقٍ في الدورة البرامجية الرتيبة سابقًا.
ومن بين الإذاعات الجديدة، “راديو روزنة”، و”آرانيوز”، و”ألوان”، و”الكل” و”نسائم سوريا”، و”صوت راية” الذي توقف فيما بعد.
وبحسب دراسة “WEDOO”، يصل عدد الإذاعات المحسوبة على المعارضة 30 إذاعة، يتصدرها راديو “الآن FM”، وهو غير سوري مخصص للشأن السوري، ويبث من دبي الإمارتية، بتغطية سبع محافظات، يليه راديو أورينت بتغطية خمس محافظات.
وما عدا “اﻵن” و”أورينت”، جيدي التمويل والبنية التحتية، فإن وحدةَ حالٍ تجمع باقي إذاعات المعارضة، على محدودية الجودة وضعف نسب الاستماع وضيق مساحات التغطية، بما لا يتجاوز منطقةً، أو مدينةً أو مدينتين، في معظم الحالات، وفق الدراسة.
لكن الإذاعات المحسوبة على المعارضة، حاولت التغلب على مشكلة التردد، بالبث عبر الإنترنت، وتتصدر إذاعة “آرتا FM” نسب الاستماع، بتموسط 30 مستعمًا في الدقيقة، تليها إذاعة نسائم سوريا، بمتوسط 28 مستعمًا في الدقيقة.
وتعد الإذاعات عبر الإنترنت حديثة العهد في العالم، ويعتبر راديو سوريالي، من أوائل الراديوهات السورية التي تبث عبر الإنترنت حصرًا.
إذاعي سوري: لا تنتهكوا المايك
عنب بلدي تحدثت مع مهدي الناصر، الصحفي في راديو روزنة حاليًا، عن تجربته في مجال الإذاعة.
وقال الناصر إنه أثناء عمله في هيئة الإذاعة والتلفزيون تدرب في إذاعة دمشق على الصوت والنطق وتمكن من اللغة العربية السليمة، وهذه إحدى النقاط التي يراها إيجابية في الإذاعات “الوطنية”، فهي لا تكتفي بصوت جميل كي توظف مذيعيها، بل التمكّن من العمل.
ترك الناصر عمله كمخرج تلفزيوني في هيئة الإذاعة والتلفزيون، التي عاصر فيها مذيعين قدماء، مثل مخلص الورار وفريال أحمد، ومع بداية الثورة السورية توجه إلى تركيا، ليعمل في “راديو روزنة”.
يبث “راديو روزنة” برنامجًا صباحيًا يهتم بقضايا الداخل، مثل نشرات أسعار السلع والمشاكل التي يعاني منها المواطن في سوريا.
وعن رؤيته للإعلام البديل قال الناصر، إنه ينتهك “المايك”، بمعنى أن تكتفي المؤسسة بإيجاد صوت جميل حتى يصبح مذيعًا، إلا أن المسألة تحتاج لأكثر من ذلك حتى يتمكن الشخص من وظيفته.
وبرأيه فإن العلاقة بين المذيع والميكرفون يجب أن تكون قوية ومتينة، لكن المذيعين في “الإعلام البديل”، مستعدون لترك وظيفتهم والابتعاد عن المايك، بمجرد توفر فرصة عمل ثانية له.