رشا شربجي.. قصة معتقلة رقمها “714”
عنب بلدي – خاص
“تلد السجينة سجينتين والكل تحت رحمة السجان، وفي غياهب السجن تغيب الرضيعتان عن أعظم علاقة على وجه الأرض.. هي ليست القيامة لكي تذهل مرضعة عما أرضعت ولكنها سلاسل الأسد”.
كلمات افتتحها الناشط الإعلامي هادي العبد الله، مساء الجمعة 11 شباط، خلال لقاء مع المعتقلة ابنة مدينة داريا، رشا شربجي، بعد أن أُفرج عنها في صفقة لتبادل معتقلات من الطائفة العلوية، أسرتهن المعارضة في وقت سابق، مع معتقلين في سجون النظام السوري.
وجاء هذا الاتفاق بعد اجتماعات بين “غرفة عمليات سلمى”، ومكتب “شؤون الأسرى” في إدلب، داخل مقر الأخير في المدينة، جرى مطلع الشهر الجاري، وتسلم بموجبها المكتب عملية التفاوض مع النظام، إذ تم الإفراج عن 55 معتقلة من بينهنّ رشا شربجي وأولادها الخمسة.
شربجي اعتقلت وهي حامل بتوأم، مع أبنائها الثلاثة وشقيقتي زوجها في أيار 2014، من مركز الهجرة والجوازات في دمشق، أثناء استصدارهم جوازات السفر، وذلك للضغط على زوجها أسامة عبار، المتهم حينها بتجارة وحيازة الأسلحة ليسلم نفسه.
خلال الحديث الذي استمر حوالي 40 دقيقة، سردت رشا حياتها داخل المعتقل مع أخوات زوجها أسامة منذ بداية اعتقالها في الخامس من 2014، حتى لحظة خروجها في شباط الجاري 2017.
أولى محطات الاعتقال لرشا كان في مبنى الهجرة والجوازات بحي المرجة بالعاصمة دمشق، لتحول لاحقًا إلى فرع القيميرية للمخابرات الجوية الذي تنقلت فيه ليحُقق معها من قبل أكثر من ضابط أمني طلبوا منها معلومات التواصل مع زوجها أسامة، وأسمعوها محتوى مكالماته، والتي أكدت شربجي أنها مكالمات “عادية، ولكنهم حللوها على أساس أسلحة”.
وكانت التهمة التي وجهت لزوجها أنه “أكبر تاجر أسلحة في سوريا”، حيث استخدمتها الأفرع الأمنية كـ “وسيلة ضغط” مع أبنائها على الزوج ليسلم نفسه.
بعد انتهاء التحقيق مع المعتقلة حوّلت إلى فرع المخابرات الجوية في منطقة المزة، لتحمل رقم “714” كاسم لها داخله، إلى جانب أطفالها الذين وزع عليها أرقام أيضًا، ووضعت في زنزانة منفردة مع أطفالها الثلاثة بطول ثلاثة أمتار بمترين، وبعيدًا عن شقيقات زوجها.
وضع مكتب حقوق الإنسان والديمقراطية في وزارة الخارجية الأمريكية، اسم رشا شربجي بين 20 اسمًا لمعتقلات من دول العالم، ودعت المندوبة الأمريكية الدائمة في الأمم المتحدة، سامنثا باور، لإطلاق سراحهن ضمن حملة “#FreeThe20” أيلول 2015.
الشبكة السورية لحقوق الإنسان رشحت ثلاث حالات للحملة، هنّ الدكتورة رانيا العباسي، والدكتورة فاتن رجب، والسيدة رشا شربجي، إذ “تعاني الحالات الثلاث من انتهاكات حقوق الإنسان وتختلف ظروف الاحتجاز والاعتقال فيما بينهم”.
لم يخلُ حديث شربجي أثناء المقابلة المصورة من جملة “تعب نفسي وجسدي”، فقد اختصرت حياتها اليومية داخل الزنزانة المنفردة مع أطفالها الثلاثة التي حاولت أن تنسيهم “ظلام السجن” بـ”أفلام الكرتون” وجدهم وأقربائهم بها، عدا عن تنقلها بين الزنزانات وتعامل “السجانة” معها ومع السجينات الأخريات.
قبل 15 يومًا من ولادتها جُمعت شربجي مع شقيقات زوجها ليلى وبنان، وتم نقلهن إلى غرفة مسبقة الصنع.
بعد نقلها إلى الغرفة الخاصة، شرحت رشا فترة المخاض قبل ولادتها، بعد نقلها إلى المشفى الذي غُيب اسمه عنها ومعلوماته كافة، إضافةً إلى الحراسة الأمنية من قبل عنصرين على باب الغرفة التي وضعت بها.
وتحدثت عن الوضع السيئ الذي عانت منه خلال فترة الولادة التي وصفتها بـ “أصعب فترة في الاعتقال”، فالتوأم اللذين أنجبتهما (صفا ومروة) “لُفّا بقطن فقط”، فـ”بينما تلد بجانب أهلها وأقاربها، مع الديارة النظيفة والمجهزة لأطفالها”، ولدت في حالة سيئة على “تخت من الدماء”، بعد ولادتها “القيصرية” في المشفى.
توقفت المعتقلة رشا عن الحديث أثناء سرد فترة الولادة في المعتقل، قائلةً “لا أحب أن أتذكرها نهائيًا”، لتتابع قصتها بعد أربعة أيام من وجودها في المشفى، حين نقلت إلى الغرفة مسبقة الصنع مجددًا مع أطفالها، وتوأمها، لتبدأ في هذه النقطة مرحلة إبعاد أولادها عنها.
ذكرت شربجي خلال المقابلة اسم “المقدم سهيل”، الذي طلب منها بعد وصولها إلى الغرفة، أن تعطيه الأولاد من أجل أخذهم إلى ميتم “SOS” في منطقة قدسيا، دون “أي مقدمات”، ليكون مطلبها آنذاك الإعدام كونه “أسهل من أن تأخذوا أولادي مني”.
بعد إبعاد الأولاد عن رشا، تنقلت في عدة زنزانات حتى استقرت في زنزانة مع ليلى وبيان شقيقات زوحها، لتضرب بعدها عن الطعام مدة ثلاثة أيام، ما أدى إلى تدهور صحتها.
وفي تشرين الثاني 2016 وبعد تصاعد احتجاجات النساء في زنزانات أخرى، والمطالبة برؤية أبنائهن والتحدث لأهاليهن، التقت شربجي مع أبنائها الخمسة لمدة عشر دقائق فقط.
“الرائد مؤيد” أخبرها أنها ستخرج بتسويةٍ، زوجها له يد فيها، وفي 2 شباط أخرجت رشا مع بيان وليلى (شقيقتي زوجها) إلى فرع “48” في المزة، حيث بقيت خمسة أيام واعتمدت السجانات حينها التعذيب النفسي عن طريق المعاملة القاسية وتعذيب بعض المعتقلات أمامها.
قبل الإفراج بيوم واحد عن رشا، عزلت عن ليلى وبيان، وأبقيت في زنزانة لوحدها، ليخبرها عناصر الأمن أن عملية الإفراج عنها تتأخر بعض الوقت، لكن بعد إخلاء شقيقات زوجها بربع ساعة أخبروها بإخلاء سبيلها، وأُعطيت الأمانات (المصاري والذهب) وصادروا الهواتف النقالة.
وتابعت ابنة مدينة داريا “بعد الصعود إلى الحافلة قالوا لي انتظري لجلب أطفالك”، وبالفعل تم جلب الأطفال، و”أحسست بحلم ومعجزة”.
رشا واحدة من نحو 13 ألف معتقلة موثقة، بحسب المعارضة السورية، وهي تطالب بالعمل لإنقاذ رفيقاتها “الأرقام” اللاتي بقين وراءها.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :