تكاليف اللجوء تنشّط بيع السلاح الفردي في إدلب
عنب بلدي – مراد عبد الجليل
لم يكن خالد يفكر يومًا أن تضطره ظروف المعيشة إلى بيع مسدسه الذي اقتناه منذ عشرة سنوات، من أجل تأمين أبسط المواد الغذائية لأولاده، إضافة إلى بيع سلاحه الفردي بعد وصوله إلى إدلب لتأمين ثمن العبور إلى تركيا.
قصة خالد، المقاتل في الجيش الحر، كما رواها لعنب بلدي، واحدة من قصص بعض المقاتلين الذين وصلوا خلال الشهرين الماضيين إلى إدلب في شمال سوريا، من قرى وبلدات ريف دمشق والغوطة الغربية، بعد موجة التسويات (المصالحات) مع النظام.
المقاتلون دفعتهم قسوة الظروف الاقتصادية وعدم توفر المال لديهم، إلى بيع سلاحهم في إدلب من أجل تأمين مبلغ من المال يوصلهم إلى تركيا، ليبدؤوا طريقًا جديدًا، ربما يكون مجهولًا للكثير منهم.
سمسرة وتجارة
خالد (39 عامًا) اضطر لبيع مسدسه من نوع “بروني”، الذي يعرف بين السوريين بـ “14 ونصف”، في مدينة التل بـ 1600 دولار، من أجل تأمين احتياجات أولاده الأربعة، وأبقى معه بندقية أمريكية من نوع “M16″، استلمها من الفصيل الذي ينتمي إليه (لم يذكر اسمه)، عندما كان في القلمون الشرقي.
وأوضح خالد لعنب بلدي أنه بعد الخروج إلى إدلب، في تشرين الثاني الماضي، واتخاذ قرار اللجوء إلى تركيا عن طريق أحد المهربين، قرّر بيع سلاحه مع عشرة مخازن (300 طلقة، سعر الواحدة منها 400 ليرة سورية).
البحث عن تاجر سلاح لم يكن بالأمر الصعب، فما على المقاتل سوى عرض سلاحه للبيع ليتسابق التجار إليه، خاصة إذا كانت القطعة “جيدة ونظيفة”، بحسب خالد.
يقول المقاتل إنه تعرض لاستغلال بعض التجار لمعرفتهم باضطراره إلى المال، فدفعوا له ثمن البندقية 800 دولار فقط، فقرر عدم البيع، لأن ثمنها في المنطقة 1200 دولار. وقبل خروجه من التل عرض أحد التجار عليه شراءها بـ 1800 دولار، لكنه رفض حينها، مخافة فشل المفاوضات وعودة المعارك مع النظام.
وتوصلّت الفصائل المقاتلة في التل بريف دمشق إلى اتفاق تسوية مع النظام السوري، في تشرين الثاني 2016، بعد معارك استمرت عدة أيام، وخرج بموجبه نحو 1300 مقاتل مع عائلاتهم إلى إدلب.
بشار، أحد المقاتلين الذين خرجوا من التل أيضًا، لم يكن بأفضل حالًا من سابقه، فقد اضطر إلى بيع سلاحه الشخصي (روسية أم صاروخ)، الذي يقتنيه من قبل الثورة السورية، لأحد التجار في إدلب بألف دولار لـ “نظافتها ونوعها”، في حين رفض بيع مسدس من نوع “شمايزر” (10 ونصف) وتركه لصديقه في المنطقة، الذي باعه بـ 700 دولار وأرسل له المال إلى تركيا.
السبب.. تكاليف اللجوء
أسباب عديدة دفعت بعض المقاتلين إلى بيع سلاحهم، كان أولها تأمين احتاجيات أسرهم، في ظل انقطاع الدعم المالي عن الفصائل الذي قاتلوا في صفوفها، خاصة في القلمون.
أما السبب الثاني فيكمن في تفكير كثير من المقاتلين باللجوء إلى تركيا أو أوروبا، خاصة في ظل تفكك فصائل الشمال وعدم توحدهم في كيان وقيادة موحدة، بحسب خالد، ما دفعهم إلى بيع سلاحهم لتأمين أجرة “التهريب” إلى تركيا، التي تصل إلى 400 دولار للشخص الواحد.
وحول عدم تسليم سلاحهم إلى الفصيل التابعين له، أكد بشار، أن معظم الأسلحة معهم كانت شخصية، أما من كان يتبع لأحد الفصائل فقد سلّم سلاحه قبل الخروج.
كلام بشار أكده مقاتل كان في داريا بالغوطة الغربية لدمشق (طلب عدم ذكر اسمه)، بأنه بعد الوصول إلى إدلب قرر الخروج إلى تركيا فسلّم سلاحه إلى الفصيل التابع له.
وبحسب معلومات عنب بلدي فإن ملكية السلاح في بعض فصائل أرياف دمشق تعود إلى مكتب التسليح في الفصيل، وبالتالي لا يحقّ للمقاتل بيعه أو التصرف به شخصيًا.
بينما يملك بعض المقاتلين، وخاصةً في القلمون، أسلحة شخصية اشتروها قبل الثورة السورية، نتيجة انتشار التهريب عبر الحدود اللبنانية.
نشاط السوق
تجارة السلاح في إدلب نشطت خلال السنتين الأخيرتين، خاصة بعد سيطرة فصائل المعارضة عليها في 2015، إذ انتشرت سوق سوداء لبيع السلاح، وخصص تجار صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي (“فيس بوك” و”تلغرام”) لعرض بضاعتهم.
وتشهد الأسعار تغيرًا بشكل يومي، بحسب منير الحلواني، صاحب متجر لبيع وشراء الأسلحة بريف إدلب، الذي أكد أنه لا يمكن وضع أسعار ثابتة للسلاح، فهي تتغير بشكل يومي وبحسب تطور الأحداث واندلاع المعارك.
ولم تعد تجارة السلاح حكرًا على “الكبار”، بحسب باسل مجاهد، أحد نازحي مدينة حماة في إدلب، الذي أكد أنه يتاجر بالأسلحة والذخائر “على قد الحال”، حسب وصفه.
وقال مجاهد لعنب بلدي “أشتري 200 طلقة روسية مثلًا، وأخبئها لحين ارتفاع سعر الطلقة، لأبيعها وأربح بشكل بسيط، وكذلك الأمر بالنسبة لقطع السلاح، التي تتغير أسعارها بشكل مستمر”.
مجاهد أوضح أن ذلك جعله يمتلك قليلًا من الخبرة التي تخوله تخمين السعر المناسب للشراء أو البيع، مشيرًا إلى أن الكثير من الناس يتاجرون مثله، لأنها تجارة لا تحتاج إلى رأس مال كبير، ولا وقت أو جهد يذكر
أسعار السلاح
وفي سرد سريع لأسعار الأسلحة، أكد الحلواني أن سعر “الكلاشينكوف” (AK 5.5) يتراوح من ألف إلى ألفي دولار، بحسب مواصفاتها وملحقاتها (عدد المخازن ونوع الأخمص طي أم ثابت).
في حين يبلغ سعر “كلاشينكوف” (إدعشاوية، وعشراوية AK47)، بين 700 و1200 دولار، وتعتبر من أفضل الأنواع المتداولة لقوة تحملها وجودة صنعها.
أما “كلاشينكوف” الصينية أو الألمانية، والأنواع الأخرى، تتراوح أسعارها من 300 إلى 1000 دولار.
وأوضح الحلواني أن سعر المسدس “عيار 7” يبلغ وسطيًا بين 250 و800 دولار، بسبب وجود عدة أنواع، في حين تصل أسعار مسدس 9 و14، بين 500 و3000 دولار بحسب النوع.
وأشار إلى أن “رشاش PKC” يتراوح سعره بين ألف و1500 دولار.
وسعر “طلقة الروسية وPKC” بين 80 و150 ليرة سورية، (أقل من نصف دولار)، أما مخزن الكلاشينكوف، بحسب نوعه فالروسي 5000 ليرة سورية (10 دولارات) والصيني 4000 (8 دولارات).
تجارة السلاح جعلت من إدلب سوقًا مفتوحًا لكثير من الراغبين ببيع سلاحهم واللجوء خارج سوريا، بعد تجمع معظم المقاتلين فيها، إضافة إلى قربها من الحدود التركية ما جعلها ملجأً لكثير من التجار.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :