المسلخ
محمد رشدي شربجي
لا يريد الأسد قمع السوريين، ولا إخافتهم، أو قهرهم، هو يريد إبادتهم جميعًا، وجميعًا تعني جميعًا. السوري الجيد هو السوري الميت بالنسبة لآل الأسد وأنصارهم من أتباع محور المقاومة والممانعة.
يكاد يحار المرء، إن لم يجن بطبيعة الحال، ما الذي يدفع الأسد لشنق 13 ألف سجين من معارضيه في سجن واحد خلال خمس سنوات من عمر الثورة، حتى انقطعت مصادر تقرير منظمة العفو؟ لماذا لم يسجنهم في غرف حتى ولو تكديسًا؟ لماذا لا يبني مزيدًا من السجون بدل قتلهم؟
يتضح من هذا إصرار الأسد على إبادة ما تبقى من أهل حلب بدعم من الإيرانيين الذي لم يستطيعوا تجاوز الرغبة الروسية بإتمام الصفقة مع تركيا، حينها لم تكن الرغبة استعادة ركام حلب، كان الهدف هو قتل كل من فيها، الحل الأسدي لمشكلة معارضيه هو شبيه بالحل الألماني للمشكلة اليهودية قبل الحرب العالمية الثانية، أو الحل الأوروبي لذات المشكلة بعدها… باختصار الإبادة والمحي و”الترانسفير”، هي ذات الحداثة التي لا تنتج إلا “هولوكوست”، وإن اختلفت التسميات: فمرة محرقة فلسطين، ومرة راوندا، وأخيرًا سجن صيدنايا.
من المفارقات أن يدين وزير الخارجية البريطاني هذه “البربرية”، وهو نفسه الذي كان يدعو قبلها بأيام للتعامل مع الأسد على اعتباره “أقل الأشرار سوءًا” الذين يمكن التعامل معهم! وليس قول الوزير جديدًا أو نادرًا، فقد نال الأسد مديحًا من هذا القبيل أكثر من مرة، قد يكون آخرها فيون مرشح اليمين الصاعد الفرنسي.
الرئيس الشاب، صاحب العيون الزرقاء، الدارس في بريطانيا، المنتمي للأقليات العلمانية بالضرورة، زوج غير المحجبة التي تشتري أحذيتها عبر الإنترنت، هو ما لا يملكه سجناء الأسد الإرهابيون عاثرو الحظ، ذوو البشرة السمراء، غير المتعلمين، أزواج وأبناء المحجبات حواضن الإرهاب.
ومن المثير للسخرية أن يصور لنا الإعلام اليوم أن ترامب العنصري الذي تثير تصريحاته وقراراته ضجة دولية، هو أسوأ من باراك أوباما الرئيس المجرم الذي كان بإمكانه إيقاف كل هذا قبل أربع سنوات، ولكنه رفض ذلك لرغبته بإقرار الاتفاق النووي- الإيراني بأي ثمن!
بيد أن ما يزيد الحالة كارثية، هم أولئك الذين يبحثون عن أسباب سياسية واقتصادية لصعود ترامب في بلد يتبوأ المكانة الأولى على كل الأصعدة، ثم يبحث عن “نصوص” يفسر فيها ظاهرة التطرف في بلد يشنق عشرات الآلاف من أبنائه المسلمين دون محاكمات.
هذا ليس مسلخًا عاديًا، هذا مسلخ عالمي يتشارك في إدارته الدارس في الغرب مع الغرب نفسه، أستاذ العلماء ومخرج الفلاسفة، هذا مسلخ عالمي يستكثر على الضحايا حتى الغضب، الحقد، الكره، الجنون… بشار الأسد انتصر على العالم يا أيها الناس!
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :