معتز مراد
يوشك المجتمع الدولي أن يحدّد موعدًا لعقد مؤتمر جنيف للسلام الخاص في سوريا، وسط حالة واسعة من التعقيد والتجاذبات السياسية، ليس فقط بين الدولتين العظمَيَين (الولايات المتحدة وروسيا) بل أساسًا بين فصائل المعارضة السورية والتشكيلات المقاتلة. هذه التجاذبات إن لم تجد حلًا لها في القريب العاجل فإنها سوف تجعل من المشهد السوري مشهدًا مأساويًا يُنذر بخرابٍ سياسي وثوري كبير. وما يزيد من صعوبة هذا الوضع هو توجيه دعوات لوفودٍ معارضِة كثيرة من قبل الراعين للمؤتمر (روسيا على وجه الخصوص)، الذي يعني مسرحية هزلية، سيكون بطلها تلك الوفود المتخاصمة أمام جمهورٍ غربيّ ووفد متماسك ممثل للنظام السوري. وبالتالي فشل ثوري وقناعة دولية أنه لابديل حالي «عن الأسد» قادر على إدارة البلاد.
قبل كل شيء علينا أن نتذكر ونذكّر المجتمع الدولي بالتزامين «دوليين» أساسيين في التعاطي مع مؤتمر جنيف، الأول: هو قرار مجموعة أصدقاء سوريا بتاريخ 12/12/2012 في مراكش، حيث شارك فيه أكثر من 168 دولة، والذي اعترف بأنّ الائتلاف هو الممثل الشرعي للشعب السوري. والثاني: هو قرار الهيئة العامة للأمم المتحدة الصادر بتاريخ 15/3/2013 والذي اعترف بالائتلاف ممثل شرعيًا بديلًا للنظام. هذه الالتزامات القانونية تُلزِم المجتمع الدولي بالتعامل مع وفد واحد من المعارضة يُشكّله الائتلاف الوطني بالتشاور مع قوى الثورة والمعارضة الأخرى.
هناك شرعية دولية كبيرة -ولو نظريًا- لمؤتمر وتوصيات جنيف، وعلى المعارضة البناء عليه في مفاوضاتها، فليس اليوم وقت تبخير المواقف والعنتريات الفارغة. فالشعب السوري بلغ في مأساته حدًّا لم يعد المجتمع الدولي نفسه يتصورها. هذه الشرعية أساسها نقاط كوفي عنان (المبعوث الدولي الأسبق) الستة والحكومة كاملة الصلاحيات، واللذَين سيشكلان انتقالًا نحو سوريا الديمقراطية فيما لو تم دعمهما بقرارٍ ملزم في مجلس الأمن تحت رقابة الأمم المتحدة. حيث تركزت تلك النقاط حول وقف كامل لإطلاق النار، ضمان إدخال المساعدات الإغاثية والطبية، البدء في سحب قوات وآليات الجيش النظامي من المدن والبلدات، إطلاق سراح المعتقلين، ضمان حرية الصحافة والصحافيين وحرية التظاهر.
وفي الاتفاق الأمريكي- الروسي الأخير حول الكيماوي، حدث شيء مهم علينا أن نكون واعين له، وهو أن «نظام بشار الأسد» هو من تعهد بتسليم وتدمير هذا المخزون من السلاح خلال فترة تنتهي مع انتهاء مدة الولاية الرئاسية، وبالتالي هناك عملية شرعنة دولية لبقائه حتى تلك الفترة، ولكن ربما تمتد هذه الفترة سنة أو سنتين إضافيتين في حال لم يجد المجتمع الدولي بديلًا قادرًا على إدارة المرحلة الانتقالية. وبالتالي على قوى المعارضة وتشكيلات الجيش الحر التي دخلت العملية السياسية أن تعي هذا الظرف تمامًا، وأن تعلم أن المستقبل حاليًا يتمثل في التركيز على أمرين؛ الأول أنّ مُقررات جنيف1و2 هي ما يجب العمل عليه. والثاني: أن يكون الوفد المفاوض تحت مظلة الائتلاف وبالتنسيق معه.
ربما علينا أن نؤكد مرارًا وتكرارًا أن أي تنازل من قبل النظام هو بداية النهاية له، وأن جنيف هو البداية القانونية لنهايته تحت رعاية دولية، وعلينا ألاّ نحوله بتشرذمنا وتناحرنا على السطلة إلى بداية نهاية الثورة تحت غطاء دولي، وبداية شرعنة سياسية جديدة للنظام. هذا هو التحدي الكبير والتاريخي المفصلي للثورة السورية، والقرار عندنا وعند معارضينا، فإما نكون «جميعًا» أو لانكون.